ولعل من أفضل ما أشار بوضوح إلي معنى المحكم هو القرآن نفسه، فقد سمي الله عز وجل المحكمات أمّ الكتاب قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [آل عمران: 7].
ومعني: أُمُّ الْكتابِ: (أي الأصل الذي يكون المرجع إليه بمنزلة الأم للولد فإنه يرجع إليها (¬1).
ويجب العمل بالمحكم من القرآن قطعا، اذ هو ظاهر المعنى لا يحتمل النسخ ولا التأويل ودلالته على الحكم والمعنى أقوي من أي دلالة أخرى.
وللمحكم أنواع:
[1] ما يكون في أصول الدين والاعتقاد: كالآيات الواردة في أسماء الله وألوهيته وربوبيته والإيمان به سبحانه، والإيمان بالملائكة والرسل والكتب واليوم الآخر والجنة والنار ...
[2] ما يكون في الفضائل والأخلاق والصفات الكريمة: كالصدق والعدل والأمانة والإحساس والوفاء بالعهد وبر الوالدين وصلة الرحم ...
[3] ما يكون في الأحكام، كأن يكون مدلول الحكم جزئيا ولكن جاء التصريح بما يفيد تأبيده، ومثل قوله تعالى: وما كانَ لَكمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولا أَنْ تَنْكحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا [الأحزاب: 53]، ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَدًا [النور: 4]، في قاذفي المحصنات فقد اقترن في نص الآيتين ما أفاد تأبيد الحكم الذي اشتملت عليه كل منهما (¬2).
وقد اختلف العلماء في قدر المحكم من القرآن:
أورد السيوطي ذلك الخلاف قال: في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن القرآن كله محكم لقوله تعالى: كتابٌ أُحْكمَتْ آياتُهُ [هود: 1].
¬__________
(¬1) انظر: أصول الأحكام للسرخسي 1/ 165.
(¬2) أصول التفسير وقواعده ص 335، 336 بتصرف