كتاب حياة السلف بين القول والعمل
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
لقد ترك لنا علماؤنا الأجلاء علومًا كثيرة في شتى الفنون، حتى كتبوا في السلوك والأخلاق والسياسة والمنطق والطب وغيرها من أنواع العلوم المفيدة، ومما كتبوا في ذلك وصنفوا: الكتب التي تحدثت عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا شك أن كلام علماء السلف أعظم تأثيرًا وفائدة من كلام من جاء بعدهم. فإنهم من القرون المفضلة التي شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخيرية، وإذا أكثر المسلم المطالعة في كتبهم وكلامهم وأحوالهم استفاد فائدة عظيمة، وعظم قدره وقبوله عند الناس.
وللإمام الغزالي في هذا المعنى كلام جميل حيث يقول: ولقد كان الحسن البصري - رحمه الله - أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأقربهم هديًا من الصحابة رضي الله عنهم، اتفقت الكلمة في حقه على ذلك، وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب، وفساد الأعمال، ووساوس النفوس، والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس. وقد قيل له: يا أبا سعيد، إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك، فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان.
وقيل لحذيفة بن اليمان: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة، فمن أين أخذته؟ قال: (كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). (¬1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كلما كان الرجل إلى السلف
¬_________
(¬1) إحياء علوم الدين (تهذيبه) ص: 76
الصفحة 5
936