كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)
التقدير: ألا كل شيء وقت خلوهم عن الله باطل، وقد قلنا: إن "خلا" إذا دخلت عليها كلمة "ما" لا تجر عند الجمهور (¬1)، ونقل الجرمي (¬2) عن بعض العرب جر المستثنى بعد: "ما خلا"، وبعد "ما عدا"، على أن "ما" زائدة، وعدا وخلا حرفا جر وهذا شاذ (¬3)؛ لأن "ما" تزاد بعد الحرف متأخرة عنه، كما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، و {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]، وها هنا هي متقدمة عن الحرف فلا يحكم عليها بالزيادة.
وإذا كانتا مجردتين من كلمة "ما" يجوز الجر بهما على أنهما حرفا جر، والنصب على أنهما فعلان فاعلهما مضمر وجوبًا، والمستثنى مفعولهما، تقول: قام القوم خلا زيدًا وخلا زيدٍ، وعدا زيدًا وعَدا زيدٍ (¬4).
الاستشهاد فيه:
أنه أورده شاهدًا لإطلاق الكلمة على الكلام، وهو مجاز مهمل عند النحويين، مستعمل عند المتكلمين، وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع، فإنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
أَلا كُلُّ شَيء مما خَلا اللهَ باطِلُ ... ............................. "
فأطلق الكلمة على الكلام توسعًا، وقد روينا عن أبي هريرة (¬5) -رضي الله تعالى عنه- من طريق البخاري (¬6) ومسلم (¬7) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد:
¬__________
(¬1) قال ابن يعيش: "أما ما خلا وما عدا فلا يقع بعدهما إلا منصوب، لأن ما فيهما مصدرية فلا تكون صلتها إلا فعلًا وفاعلها مضمر مقدر بالبعض .. وما وما بعدها في موضوع مصدر منصوب". ابن يعيش (2/ 78).
(¬2) صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمي، لزم الأخفش وأخذ عنه، له: المختصر في النحو، وكتاب الأبنية، وصنَّف العروض وغيره (ت 225 هـ)، طبقات القراء لابن الجزري (1/ 332)، وشذرات الذهب (2/ 57).
(¬3) قال ابن هشام: "وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني أنه قد يجوز الجر على تقدير ما زائدة، فإن قالوا ذلك بالقياس ففاسد؛ لأن ما لا تزاد قبل الجر والمجرور بل بعده نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ}، و: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} وإن قالوا بالسماع فهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه". المغني (1/ 134) وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 310).
(¬4) ينظر المغني (1/ 133).
(¬5) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر الصحابة حفظًا للحديث والرواية (ت 59 هـ). الأعلام (3/ 308).
(¬6) هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، صاحب الجامع الصحيح وغيره (ت 256 هـ). الأعلام (6/ 34).
(¬7) هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، صاحب صحيح مسلم وغيره (ت 261). الأعلام: (7/ 221).