كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 3)

قوله: "ظلَّامًا" على وزن فعال بالتشديد مبالغة ظالم، وكذلك المناع مبالغة مانع، ولكن المعنى ها هنا: ليس بذي ظلم، وليس بذي منع؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أي ليس بذي ظلم، وليس المراد به المبالغة فافهم، قوله: "وإن ظُلِمَا": على صيغة المجهول، وكذا قوله: "وإن حُرِمَا" وأصله: من حَرَمَهُ الشَّيءَ يحرِمُه حَرِمًا، مثال سرَقَه سَرِقًا بكسر الراء، وحِرمَة وحَريمَة وحِرمَانًا، وَأحرمه -أيضًا- إذا منعه إيَّاه (¬1).
الإعراب:
قوله: "ما الراحم القلب" ما بمعنى ليس و "الراحم القلب": كلام إضافي اسمه، و "ظلامًا" خبره، قوله: "وإن" واصل بما قبله معطوف على محذوف تقديره: إن لم يظلم وإن ظلم، والألف في "ظلمًا" للإطلاق، وكذلك التي في: حُرمَا، قوله: "ولا الكريم": عطف على قوله: "ما الراحم القلب"، والباء في [قوله:] (¬2) "بمناع" زائدة، والكلام في قوله: "وإن حُرِمَا" مثل الكلام في قوله: "وإن ظُلِمَا".
الاستشهاد فيه:
في قوله: "ما الراحم القلب" فإن الراحم اسم فاعل أضيف إلى فاعله، وإضافة اسم الفاعل إلى فاعله لا تجوز إلَّا إذا أمن اللبس وفاقًا للفارسي ومَن تبعه، والجمهور على منعه، وقالت جماعة: إن حذف مفعوله اقتصارًا جاز وإلا فلا (¬3).
ومن هذا القبيل البيت المذكور، فإن قوله: "الراحم" اسم فاعل أضيف إلى فاعله وحذف مفعوله اقتصارًا، والصحيح أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس، ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي؛ فلذلك سهل فيه الاستعمال المذكور، وأمَّا في اسم الفاعل المتعدي فقليل؛ كما في قوله: "ما الراحم القلب" إلى آخره.

الشاهد الخمسون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5)
مِنْ صديقٍ أَوْ أَخي ثِقَةٍ ... أَوْ عَدُوٍّ شَاحِطٍ دارَا
أقول: قائله هو عدي بن زيد بن حمار التميمي، شاعر جاهلي، وهو من المديد.
¬__________
(¬1) انظر نصه في الصحاح للجوهري: "حرم".
(¬2) ما بين المعقوفين سقط في: (أ).
(¬3) ينظر الأقوال الثلاثة في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 303).
(¬4) توضيح المقاصد (3/ 46).
(¬5) البيت من بحر المديد، وهو لعدي بن زيد التميمي، انظر ديوانه (101)، تحقيق: محمد جبار المعيبد، وهو في الكتاب (1/ 198)، وشرح التصريح (2/ 82)، والمغني (459)، وشرح أبيات الكتاب (1/ 131، 217)، وشرح =

الصفحة 1464