كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 4)
الشاهد التاسع والتسعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2)
إِنَّ الذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنا ... بَيتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة لامية من الكامل، وأولها هذا البيت، وبعده (¬3):
2 - بَيْتًا بَنَاهُ لَنَا الملَيكُ وَمَا بَنَى ... مَلِكُ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لا يُنْقَلُ
3 - بَيْتًا زُرَارَةُ مُحْتبٍ بِفَنَائِهِ ... وَمُجَاشِعٌ وَأَبُو الفَوَارِسِ نَهْشَلُ
4 - يَلجُونَ بَيْتَ مُجَاشِعٍ فَإذَا احْتَبَوْا ... بَرَزُوا كَأَنَّهُمْ الجِبَالُ المُثَّلُ
وهي تزيد على مائة بيت.
قوله: "سمك": من سمك الله السماء سمكًا، أي: رفعها، وسمك الشيء سموكًا: ارتفع، وسنام سامك؛ أي: عال، والمسموكات السموات، قوله: "بيتًا" أراد به الكعبة المشرفة، و"الدعائم": جمع دعامة وهي الأسطوانة.
الإعراب:
قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "الذي": اسمه، وقوله: "بنى لنا": خبره، وقوله: "سمك السماء": جملة صلة الموصول، و"بيتًا": مفعول "بنى"، قوله: "دعائمه": كلام إضافي مبتدأ، و "أعز": خبره، و "أطول": عطف عليه، والجملة صفة للبيت في محل النصب.
الاستشهاد فيه:
في قوله: "أعز وأطول" فإنهما على أفعل التفضيل ولكن لم يقصد بهما تفضيل؛ فإنهما بمعنى: عزيزة وطويلة كما في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] يعني: وهو هين عليه (¬4).
¬__________
(¬1) ابن الناظم (188)، وشرح ابن عقيل (3/ 182).
(¬2) البيت من بحر الكامل، وهو مطلع قصيدة للفرزدق في الفخر وهجاء جرير، وهي في ديوانه (1/ 155)، ط. دار صادر، وبيت الشاهد في الديوان (489)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 60)، والخزانة (6/ 539، 8/ 242)، وابن يعيش (6/ 97، 99)، واللسان: "كبر عزز".
(¬3) الديوان (489) و (2/ 155) ط. دار صادر.
(¬4) يأتي أفعل التفضيل عاريًا عن معنى التفضيل ويراد به ثبوت الوصف بدرن زيادة أو نقصان؛ كقول الله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} أي: عالم، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي: هين، ومنه البيت المذكور. والشاهد سيأتي بعد قليل برقم (805).