كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 4)
"قدحت" بالقاف؛ أي: غرف ما فيها، ومنه المقدحة وهي المغرفة، قوله: "وفض" بالفاء المضمومة؛ أي: كسر خاتمها وهو الطين الذي على رأسها.
وحاصل المعنى: أشتري الخمر للندماء غالية من كل زق أدكن وخابية سوداء قد فض ختامها وأغترف الخمر منها.
الإعراب:
قوله: "أغلي": جملة من الفعل والفاعل، و "السباء" بالنصب مفعوله، والباء في "بكل" تتعلق بقوله: "أغلي"، ولكن الباء بمعنى من؛ أي: من كل أدكن؛ كذا قيل (¬1)، وفيه نظر.
والصواب: أن تكون الباء بمعنى في، ويكون متعلقها محذوفًا، والجملة محلها النصب على الحال، والتقدير: السباء حال كونها في كل أدكن، "وأدكن": مجرور في التقدير بالإضافة، وإنما منع الجر لامتناعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وقوله: "عاتق" بالجر صفة "أدكن"، قوله: "أو جونة" [بالجر] (¬2) عطف عليه، قوله: "قدحت" على صيغة المجهول صفة جونة وفُضَّ على صيغة المجهول أيضًا، و "ختامها": مفعول ناب عن الفاعل، والجملة عطف على قدحت.
الاستشهاد فيه:
[في قوله: "وفض ختامها" حيث] (¬3) أن الواو لا تدل على الترتيب؛ وذلك لأن فض الخاتم سابق على القدح، فإن ختامها يفض ثم يقدح، وهذا مذهب جمهور العلماء من النحاة وغيرهم، وقد قيل: إنها تجيء للترتيب، وليس بصحيح، وقد نسب هذا القول إلى الفراء، وليس بصحيح -أيضًا- (¬4).
¬__________
(¬1) تأتي الباء بمعنى من أحيانًا كقول الله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي: منها، وأثبت هذا المعنى الكوفيون والأصمعي والفارصي والقتبي وابن مالك، ولكن هذا المعنى في البيت المذكور لا يتناسب، والأفضل أن تكون بمعنى: في هنا وهو الظرفية كقول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} أي: في بدر أو حالة كونكم في بدر. ينظر المغني (104، 105) والجنى الداني (43).
(¬2) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(¬3) ما بين المعقوفين زيادة لبيان موضع الشاهد.
(¬4) اختلف النحويون في معنى الواو هل تفيد الترتيب أو لا، على رأيين، الكوفيون على أنها تفيد الترتيب، واحتجوا بالفصيح من كتاب الله. قال المالقي: "وعند الكوفيين أنها تعطي الترتيب كالفاء عند البصريين، واحتجوا بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالهَا} وبقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} ومعلوم أن إخراج الأثقال إنما هو بعد الزلزال، والسجود في الشرع لا يكون إلا بعد الركوع". رصف المباني للمالقي (411)، وينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 364)، ونسبه للكسائي في همع الهوامع (2/ 129)، والمغني (2/ 31). وأما البصريون فقالوا: إن الواو ليست للترتيب بل هي لمطق الجمع، واحتجوا بوجوه: أن الواو في =