كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 4)
أو في النار، وهذا من باب الإغراق (¬1).
وقوله: "هنالك": إشارة إلى المنام أو الممات، قوله: "أم في جنة": عطف على قوله: "في الممات" ثم أضرب عن ذلك بقوله: "أم جهنم" لأن أم هاهنا بمعنى بل، أي: بل في جهنم.
الاستشهاد فيه:
وهو مجيء أم المنقطعة بعد الخبر متجردة عن الاستفهام، لأن المعنى: بل في جهنم كما ذكرنا (¬2).
الشاهد السبعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4)
مَاذَا تَرَى فيِ عيالٍ قَدْ بَرِمْتُ بِهِمْ ... لَم أُخصِ عدَّتَهُم إلا بِعَدَّادِ
كَانُوا ثَمَانِينَ أَوْ زَادُوا ثَمَانيَةً ... لَوْلَا رَجَاؤُكَ قَدْ قَتَّلْتُ أَوْلَادِي
أقول: قائلهما هو جرير بن الخطفي يخاطب هشام بن عبد الملك، وهما من البسيط.
قوله: "برمت بهم": من برمت به (¬5) بكسر الراء إذا سئمه وضجر منه، وكذلك تبرم به وأبرمه إذا أضجره وأمله.
الإعراب:
قوله: "ما": مبتدأ، و"ذا ترى": خبره، وذا يجوز أن تكون إشارة (¬6)، ويجوز أن تكون موصولة، يعني: ما الذي ترى، قوله: "في عيال": مفعول ترى، لأن ترى ها هنا من رأى في الأمر إذا فكر فيه فلا يتعدى إلا إلى مفعول واحد.
¬__________
(¬1) الإغراق: هو أن يدعي المتكلم وصفًا ممكنًا عقلًا لا عادة. ينظر الإيضاح في علوم البلاغة للقزويني (376) طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
(¬2) أم المنقطعة كثيرًا ما تقتضي استفهامًا حقيقيًّا أو إنكاريًّا وتكون بمعنى بل، وقد لا تقتضي استفهامًا وتتجرد عنه كقوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ومنه البيت المذكور، وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين.
(¬3) ابن الناظم (208)، وشرح ابن عقيل (3/ 232، 233).
(¬4) البيتان من بحر البسيط، من قصيدة طويلة لجرير يمدح بها معاوية بن هشام بن عبد الملك، ومما قاله قوله:
حتى أتتك ملوك الروم صاغرة ... مقرنين بانحلال وأصفاد
وانظر القصيدة في ديوان جرير (742)، ط. دار المعارف، والديوان (156)، طبعة. دار صعب، والمغني (64، 272)، وتذكرة النحاة (121)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 134)، والدرر (6/ 116)، وشرح شواهد المغني (201).
(¬5) في (أ): من برم بكسر الراء.
(¬6) قوله: "وذا يجوز إن تكون إشارة" ليس بصحيح؛ لأن بعدها فعلًا، والصحيح أنها موصولة (مبتدأ وخبر) أو تكون ماذا كلمة واحدة، مفعولًا به مقدمًا.