كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)
والفرزدق في الأصل [قيل] (¬1): قطع العجين، واحدتها فرزدقة، لقب بذلك؛ لأنه كان جهم الوجه، وقيل: لقب به لغلظه (¬2) وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء وهي الفرزدقة، والقول الأول أصح؛ لأنه أصابه جدري في وجهه ثم برئ منه فبقي وجهه جهمًا متغضبًا (¬3)، ويروى أن رجلًا قال له: يا أبا فراس كأن وجهك أحراح مجموعة، فقال: تأمل هل ترى فيها حر أمك، والأحراح: جمع حرح؛ وهو الفرج فحذفت في المفرد حاؤه الثانية فبقي حرًّا، ومتى جمعت عادت الحاء؛ لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها (¬4)، وقبل البيت المذكور بيت آخر هو قوله (¬5):
يا أرغم الله أنفًا أنت (¬6) حامله ... يا ذا الخنا ومقال الزور والخَطل
والأصل في ذلك ما حدثه الكلبي أن رجلًا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان (¬7) يمدحه، وعنده جرير والفرزدق والأخطل فلم يعرفهم الأعرابي، فقال له عبد الملك: هل تعرف أهجى بيت في الإسلام؟، قال: نعم، قول جرير (¬8):
فَغُضِّ الطَّرفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلابًا
فقال: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير (¬9):
أَلَسْتُمْ خَيرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالمِينَ بُطُونَ رَاحِ
فقال: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قالته العرب في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير (¬10):
إِنَّ العُيُونَ التي في طَرْفِهَا مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثُمَّ لم (¬11) يُحْيِينَ قَتْلانا
فقال: أحسنت، فهل تعرف جريرًا؟ قال: لا والله، وإني لرؤيته مشتاق، فقال: هذا جرير،
¬__________
(¬1) سقط في (ب).
(¬2) في (أ): لقب بغلظه.
(¬3) متغضنًا.
(¬4) ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 322).
(¬5) لم أعثر عليه في الديوان مع طبعاته الكثيرة.
(¬6) في (ب): أنه.
(¬7) هو عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، نشأ في المدينة واستعمله معاوية عليها، وكان جبارًا على معانديه قوي الهيبة، ولد سنة (23 هـ) (ت 86 هـ). الأعلام (4/ 165).
(¬8) البيت من بحر الوافر، الديوان (61) "شرح مهدي محمد ناصر" والخزانة (1/ 72 - 74) والورد (6/ 322) وابن يعيش (9/ 128) والمقتضب بلا نسبة (1/ 185) والكتاب (3/ 533).
(¬9) البيت من بحر الوافر في ديوان جرير (74)، وينظر طبقات فحول الشعراء (2/ 379)، وشرح شواهد المغني (42)، وابن يعيش (8/ 123)، والمقتضب (3/ 292).
(¬10) من بحر البسيط، الديوان (452) وروايته. "في طرفها حَوَرٌ". وينظر طبقات فحول الشعراء (2/ 379) والمقتضب (2/ 173) وشرح شواهد المغني (2/ 712) وابن يعيش (5/ 9).
(¬11) سقط في (ب).