كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)
كما سيأتي - إن شاء الله - وأندر من ذلك دخولها في اسم الفاعل، كما في البيت المذكور، وإنما سوغها شبه الوصف بالفعل (¬1).
وقال ابن جني (¬2): دل هذا على أن نون التوكيد ليست من خواص الفعل لدخولها على اسم الفاعل (¬3) وفيه نظر؛ لأن دخولها على اسم الفاعل لا يلتفت إليه لندورته وقلته، لا سيما الشاعر فإنه مضطر، ويرتكب أمورًا متعسفة فلا يبنى عليه حكم.
الشاهد الثاني عشر (¬4)
12 / ق دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ (¬5) رَحِمْتِ مُتَيَّمًا ... ............................
أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه:
.............................. ... لولاكِ لَمْ يَكُ للصَّبَابَةِ جَانِحًا
وهو من الكامل وفيه الإضمار.
وقوله: "دامن" أصله دام من الدوام، ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ (¬6)، و"سعدك" خطاب لمحبوبته، و"المتيم" من تيمه الحب إذا عبده بالتشديد، و "الصبابة": المحبة والعشق، يقال: رجل صب إذا غلبه الهوى، و "الجانح" من جنح إذا مال، قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] أي: وإن مالوا.
¬__________
= ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 14)، والتصريح (1/ 41)، والدرر (2/ 99)، وهو الشاهد الآتي برقم (12) من هذا التحقيق.
(¬1) قال ابن مالك: "ونون التوكيد علامة للفعل وتلحق منه المضارع والأمر ... وقد تلحق الفعل الماضي وضعًا المستقبل معنى .... وقيد نون التوكيد بالشائع احترازًا من شذوذ لحاقها اسم الفاعل في قول الراجز: (البيت) ". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 14)، وتوضيح المقاصد (4/ 90، 91)، وتسويغ دخول نون التوكيد على اسم الفاعل تشبيهًا له بالفعل المضارع، هو ما قال به ابن جني في الخصائص (1/ 136)، وسر الصناعة (2/ 447)، وينظر الخزانة (4/ 574).
(¬2) هو أبو الفتح عثمان بن جني، صنف الخصائص وشرح تصريف المازني واللمع والمحتسب وغير ذلك (ت 392 هـ) بغية الوعاة (2/ 132).
(¬3) قال ابن جني بعد أتم ذكر البيت: "فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهًا له بالمضارع، فهذا إذًا استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة". الخصائص (1/ 136).
(¬4) توضيح المقاصد (1/ 42).
(¬5) في شرح التسهيل لابن مالك: إنْ رَحِمْتِ، ويراجع التصريح (1/ 41) والدرر (2/ 99).
(¬6) في شرح التسهيل لابن مالك: "وقد تلحق الفعل الماضي وضعًا المستقبل معنى؛ نحو قوله: - صلى الله عليه وسلم - "فإما أدركن واحد منكم الدجال" فلحقت أدرك، وإن كان بلفظ الماضي؛ لأن دخول (إما) عليه جعله مستقبلًا معنى، ثم ذكر البيت وقال: فلحقت دام؛ لأنه دعاء، والدعاء لا يكون إلا بمعنى الاستقبال" ينظر (1/ 14).