كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

وأخرج البزار (¬1) في مسنده عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال ذُكر حاتم عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ذاك أراد أمرًا فأدركه" (¬2)، والمعنى أن عدي بن حاتم اقتدى بأبيه حاتم الطائي في الجود والكرم فمن يشابه أباه أو يحاكيه في صفاته فما ظلم في هذا الاقتداء؛ لأنه أتى بالصواب ووضع الشيء في محله، والظلم: وضع الشيء في غير محله.
وهذا البيت نظم فيه الشاعر المثل الثائر: "مَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ" (¬3) واختلفوا في معنى "فما ظلم" في المثل، فقيل: فما وضع الشبه في غير موضعه، وقيل: فما ظلم أبوه حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه، وقيل إنما الصواب: فما ظلمت، أي: فما ظلمت أمه، أي: لم تزن بدليل مجيء الولد مشابهًا أباه. قاله اللحياني، ويضعف هذين القولين أن اسم الشرط إذا كان مبتدأ فلا بد في الغالب من ضمير يعود من الجزاء إليه (¬4)، وهذا البيت يرد قول اللحياني.
الإعراب:
الباء في قوله: "بأبه" تتعلق بقوله: "اقتدى"، وكذا قوله: "في الكرم" قدم الظرف للاختصاص، أي: لم يقتد في الكرم إلا بأبيه.
قوله. "ومن يشابه أبه"، كلمة (من) موصولة في محل الرفع على الابتداء بتضمن معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في خبره، وهو قوله: فما ظلم، وقوله: "أبه": منصوب بقوله: يشابه الذي هو صلة الموصول.
فإن قلتَ: (فمن يشابه) قد روي بالفاء وبالواو، فما حكمهما؟
قلتُ: أما الواو فوجهه ظاهر، وأما الفاء فإن صح فوجهه أن يكون للتعليل (¬5).
¬__________
(¬1) هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، من علماء الحديث، له مسند البحر الزاخر وغيره، وتوفي بالشام سنة (292 هـ). الأعلام (1/ 189).
(¬2) مسند أحمد بن حنبل (4/ 258) حديث رقم (18288) روايته عن مري بن قطري قال: سمعت عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم ويفعل كذا وكذا، قال: "إن أباك أراد أمرًا فأدركه"؛ يعني الذكر، قال: قلت: إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرجًا، قال: "لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية"، قلت: أرسل كلبي فيأخذ الصيد، وليس معي ما أذكيه به فأذبحه بالمروة والعصا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله - عزَّ وجلَّ -"، وعلق على الحديث شعيب الأرنؤوط: قوله: "إن أباك أراد أمرًا فأدركه" حسن، وقوله: "أمر الدم بما شئت ... " صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة مري بن قطري.
(¬3) جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (2/ 244)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، ط. دار الجيل ودار الفكر، ثانية (1988 م).
(¬4) ينظر ارتشاف الضرب لأبي حيان (2/ 564)، شرح التسهيل لابن مالك (4/ 68).
(¬5) قال أبو حيان: "وتغلب السببية في الفاء إذا عطف بها جملة أو صفة"، مثال ذلك {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ =

الصفحة 189