كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

بقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: 61] معناه: ولا بيوت آبائكم، وهذا غريب (¬1)، قوله: "غير اللَّه" كلام إضافي تنازع فيه الفعلان، فلك أن تعمل أيهما شئت، فإن أعملت الثاني أضمرت المفعول في الأول، والتقدير: لا ترج غير الله ولائتخش غير اللَّه (¬2)، وإن أعملت الأول أضمرت في الثاني نحوه (¬3).
قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله: "أذًى" اسمه، قوله: "لا تنفك مأمونًا" خبره، قوله: "واقيكه اللَّه": جملة في محل النصب على أنها صفة لأذى، وقوله: "واقي" اسم فاعل أضيف إلى كاف الخطاب، والضمير الذي بعد الكاف منصوب؛ لأنه مفعول ثان للواقي، والكاف مفعوله الأول، ولكنه مجرور بالإضافة، وقوله: "اللَّه" مرفوع؛ لأن اسم الفاعل عمل فيه عمل فعله على معنى: إن أذى يقيكه اللَّه، يعني: يحفظك اللَّه منه لا ينفك مأمونا، وقوله: "لا ينفك" من الأفعال الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه، و "مأمونا" خبره.
الاستشهاد فيه:
في قوله: "واقيكه اللَّه" حيث جاء الضمير فيه متصلًا مع جواز الانفصال في مثل هذا الكلام، ولكن هاهنا لا يتيسر لأجل الوزن، والأصل فيه أن يقال: إنَّ أذى واقيك اللَّه إياه، والضمير إذا كان منصوبًا باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول يجوز فيه الوجهان، والمختار الانفصال عند الضرورة (¬4).

الشاهد الثالث والستون (¬5) , (¬6)
فَإِنْ لا يَكنْهَا أوْ تَكُنْهُ فَإنَّهُ ... أَخُوهَا غَذَّتْهُ أُمُّهُ بِلبَانِهَا
أقول: قائله هو أبو الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر، ويقال:
¬__________
(¬1) انظر في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 365)، وفيه يقول: "وإذا وقع نهي أو نفي قبل "أو" كانت بمعنى الواو مردفة بلا .... ومثال ذلك مع النفي قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إلى {أَوْ صَدِيقِكُمْ} أي ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ولا بيوت آبائكم"، وانظر أيضًا: فرائد القلائد (33)، والجنى الداني (230، 231).
(¬2) هذا على رأي البصريين. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 167).
(¬3) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 167).
(¬4) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 152) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (1/ 147) وما بعدها.
(¬5) ابن الناظم (24).
(¬6) البيت من بحر الطويل، لأبي الأسود الدؤلي، في ديوانه (162)، وانظره في: الكتاب (1/ 46) وابن يعيش (3/ 107)، والمقتضب (3/ 98)، والمقرب (1/ 96)، والخصائص (1/ 265).

الصفحة 301