كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

الشاهد الخامس بعد المائة (¬1) , (¬2)
أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُهَا الطَّلَلُ البَالِي ... وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فِي العُصُرِ الخَالِي
أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهذا أول قصيدته اللامية المثبتة في ديوانه.
وهي طويلة من الطويل، وقد سقناها بتمامها فيما مضى (¬3)، فإن قلتَ: عروض الطويل تكون مقبوضة دائمًا، فما بال امرئ القيس أتى بها على الأصل، وهو عيب عندهم (¬4)؟
قلتُ: البيت إذا كان مصرعًا لا يقبح فيه ذلك، وإنما يقبح إذا كان غير مصرع وها هنا البيت مصرع، فافهم.
قوله: "ألا عم صباحا" أصله: أنعم صباحًا [حذفوا منه الألف والنون استخفافًا؛ كما يقولون: كل ومر في الأمر من: أكل وأمر، ويقال: عم صباحًا بكسر العين وفتحها، فإذا قيل: عم بالفتح فهو محذوف، من أنعم بفتح العين، وإذا قيل: عم بالكسر، فهو محذوف من أنعِم بكسر العين ويقال: إنه من وَعِمَ يعم؛ على مثال وعد يعد، أو من وَعِمَ يعم؛ على مثال: ومِق يمق، وهو بمعنى: نعم ينعم، وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سُئِل عن قول عنترة (¬5):
....................... ... وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسلَمي
فقال: هو من نعم المطر إذا كثر، ونعم البحر إذا كثر زبده؛ كأنه يدعو لها بالسقيا، وكثرة الخير. وقال الأصمعي: عم صباحًا، دعاء بالنعيم والأهل، وهذا هو المعروف (¬6)، وما ذكره يونس غريب، وهذه اللفظة من تحايا الجاهلية، كانوا يحيون بها ملوكهم، وكذلك كانوا يقولون: حياك الله وبياك، وأبيت اللعن ونحو ذلك (¬7) وقال الأصمعي: كانت العرب في الجاهلية، تقول: أنعم صباحًا دار عبلة، ثم أنشد:
يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالجَواءِ تَكلَّمِي ... وَعَمِي صباحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمي
¬__________
(¬1) أوضح المسالك لابن هشام (1/ 106).
(¬2) البيت من بحر الطويل، وهو مطع قصيدة مشهورة لامرئ القيس، وانظر ديوانه (39) ط. دار صادر، وانظر البيت الشاهد في: الكتاب (4/ 39)، والخزانة (1/ 60)، وحاشية الصبان (1/ 151).
(¬3) راجع الشاهد رقم (34) من هذا الكتاب.
(¬4) ينظر العروض والقوافي للتبريزي (37)، والتصريع هو: إجراء العروض على حكم الضرب بمخالفتها لما تستحقه من زيادة أو نقصان، وبيت الشاهد من أمثلة الزيادة، وقد فعلوا ذلك في مفتتح القصائد ليحسن التناسق.
(¬5) البيت من بحر الكامل، ومن شواهد الكتاب (2/ 269)، (4/ 213) والتصريح (2/ 185)، وديوان عنترة (148) بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق: مجيد طراد، نشر دار الكتاب العربي (1994 م)، والبيت سيذكر كاملًا بعد قليل.
(¬6) اللسان، مادة: "نعم" غير منسوب للأصمعي.
(¬7) ينظر اللسان، مادة: "بيي -حيا- أبي".

الصفحة 398