كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

أي: سلَّمكِ الله من الآفات والدروس (¬1)، وروى الأصمعي أيضًا: ألا عم صباحًا؛ كما في قول امرئ القيس، ويقال: عم صباحًا: كلمة كانوا يحيون بها الناس في الغدوات، ويقولون بالعشاءات: عم مساءً، وبالليل: عم ظلامًا (¬2).
قوله: "أيها الطلل البالي" الطلل: ما شخص من الدار، والبالي مِنْ بلي يبلى إذا اخلولق، قوله: "وهل يعمن" أصله: وهل ينعمن، فعل بها كما فعل بقوله: أنعم صباحًا.
قوله: "في العصُر" بضم العين والصاد بمعنى: العصر، وهو الدهر، قال ابن فارس: العصر: الدهر، وقد يثقل بضمتين، فيقال: عصر، ويجمع على عصور (¬3)، و"الخالي" من خلا الشيء يخلو خلاء، والخلاء: المكان الذي لا شيء به.
الإعراب:
قوله: "ألا": للعرض والتحضيض، و"عم": فعل وفاعله، وأصله: أنعم -كما ذكرنا "صباحًا": نصب على الظرف؛ كأنه قال: أنعم في صباحك، ويجوز أن يكون تمييزًا منقولًا، والتمييز المنقول: ما كان في أصله فاعلًا، ثم نقل الفعل عنه إلى غيره فنصب (¬4)، كأن أصله: لينعم صباحك، ثم نقل الفعل من غير الصباح إليه؛ فهو من باب قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4].
قوله: "أيها الطلل البالي" أي: يا أيها، فيا: حرف النداء وقد حذف، وأي: منادى، والهاء: مقحمة للتنبيه، والطل: مرفوع؛ لأنه صفة للمنادى تابع له، ولما كان الطلل معرفًا باللام، وقصد نداؤه، ولم يتمكن من ذلك لعدم دخول حرف النداء على المعرفة، توصل إلى ندائه بالاسم المبهم فقيل: يا أيها الطلل؛ كما في قولك: يا أيها الرجل (¬5) والبالي: صفة الطلل، فدُعي للطلل بالنعيم وأن يكون سالمًا [عن الآفات] (¬6) وهذا من عاداتهم، وكانوا يعنون بذلك أهل الطلل.
قوله: "وهل يعمن" هل: استفهام على سبيل الإنكار (¬7)، معناه: قد تفرق أهلك وذهبوا
¬__________
(¬1) ينظر شرح ديوان عنترة (149) ولم يصرح فيه برأي الأصمعي.
(¬2) ينظر شعر امرئ القيس ضمن أشعار الستة الجاهلين للأعلم الشنتمري (45)، نشر دار الآفاق الجديدة، أولى (1979 م).
(¬3) مجمل اللغة لابن فارس، مادة: "عصر".
(¬4) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 383)، ابن الناظم (138).
(¬5) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 398) وما بعدها، وابن الناظم (224)، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 296) وما بعدها، والإنصاف مسألة رقم (46) والخزانة (1/ 358)، والدرر (1/ 151)، ومذهب الكوفيين: جواز نداء ما فيه أل مطلقًا دون صلة، وذلك يكون شاذًّا عند ابن مالك في الشعر والنثر، وعند غيره مخصوص بالضرورة.
(¬6) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(¬7) الإنكار الذي يراد من أداة الاستفهام (هل) هو إنكار لوقوع الشيء. ينظر المغني (2/ 351).

الصفحة 399