كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

- وإما أن تكون "ما" بمعنى الذي فتكون "ما" مفعوله، "وذا" مبتدأ، "وعلمت" صِلة، ويبقى المبتدأ بلا خبر.
فإن قلت: أُضْمِرُ "هوَ" فكأني قلت: دعي الذي هو علمت، فهذا قبيح، والذي قال سيويه والذي لا يجوز في هذا الموضع أن تحذف هو منفصلة (¬1).
الثالث: الذي يجوز وهو أن تكون "ما" مع "ذا" بمنزلة اسم واحد (¬2).
الاستشهاد فيه:
في قوله: "ماذا علمت" فإن "ذا" ها هنا إما موصولة، أو نكرة موصوفة؛ أي: دعي الذي علمتيه (¬3) أو شيئًا علمتَ فافهم؛ فإنَّهُ موضع يحتاج إلي التَّرَوِّي.
¬__________
(¬1) قال سيبويه: "ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة، لكان الوجه في: ماذا رأيت، إذا أجاب أن يقول: خيرٌ.
وقال الشاعر، وسمعنا بعض العرب يقول:
دعي ماذا عملتِ سأَتّقيهِ ... ولكنْ بالغيّب نبّئيني
فالذي لا يجوز في هذا الموضع، وما لا يحسن أن تُلغيها". الكتاب (2/ 418).
(¬2) قال سيبويه: "باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع (ما) و (مَن) في الاستفهام، فيكون (ذا) بمنزلة (الذي)، ويكون (ما) حرف الاستفهام، وإجرائهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد، أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك: ماذا رأيت؟ فيقول: متاعٌ حسنٌ. وقال الشاعر لبيد بن ربيعة:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنَحْبّ فيُقضى أم ضَلال وباطلُ
وأما إجراؤهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيت؟ فتقول: خيرًا؛ كأنك قلت: ما رأيت؟ ومثل ذلك قولهم: ماذا ترى؟ فنقول: خيرًا. وقال جلّ ثناؤه: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} [النحل: 30]. فلو كان "ذا" لغوًا قالت العرب: عمّاذا تسأل؟ ولقالوا: عمّ ذا تسأل، كأنهم قالوا: عمّ تسأل، ولكنهم جعلوا (ما) و (ذا) اسمًا واحدًا، كما جعلوا "ما" "وإن" حرفًا واحدًا حين قالوا: إنما ... ولو كان (ذا) بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة، لكان الوجه في: ماذا رأيت، إذا أجاب أن يقول: خيرًا". الكتاب (2/ 416 - 418).
(¬3) يراجع: الكتاب (2/ 416 - 418)، والهمع (1/ 84)، والخزانة (6/ 42)، والمغني (301) وفيه يقول ابن هشام: الرابع: أن يكون "ماذا" كله اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولًا بمعنى الَّذِي، على خلاف في تخريج قول الشاعر: " ... البيت" فالجمهُور على أن "ماذا" كله مفعول دعي، ثم اختلف، فقال السيرافي وابن خروف: (ما) موصول بمعنى الَّذِي، وقال الفارسي: نكرة بمعنى شيء، قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الْمَوْصُولات. وقال ابن عصفور: لا تكون (ماذا) مفعول لدعي؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هُوَ؟، ولا لمحذوف يفسره: سأتقيه؛ لأن علمت حينئذ لا محل لها بل "ما" اسم استفهام مُبْتَدَأ "وذا" موصول خَبَر "وعلمت" صلة، وعلق "دعي" عن العمل بالاستفهام. انتهي.
ونقول: إذا قدرت "ماذا" بمعنى الَّذِي أو بمعنى شيء لم يمتنع كونها مفعول دعي، وقوله: "لم يرد أن يستفهم عن معلومها" لازم له إذا جعل ماذا مُبْتَدَأ وخبرًا، ودعواه تحليق دعي مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب .. ".

الصفحة 457