كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

لأن التقدير: الشمس طالع، وذلك لا يجوز (¬1).
وذُكر في تحفة المعرب وطرفة المغرب، تأليف الشيخ جمال الدين عبد المنعم بن صالح التيمي (¬2): يقال: بمَ يرتفع "غير" في قوله: غير مأسوف على زمن؟ والجواب أن قوله: "غير مأسوف": مفعول من الأسف وهو الحزن، "وعلى" يتعلق به، كقولك: أسفت على كذا، وموضع قوله: "بالهَمّ" في موضع نصب على الحال، والتقدر: ينقضي مشوبًا بالهمِّ، "وغير": رفع بالابتداء، ولما أضيف إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجار والمجرور استغنى المبتدأ عن الخبر، كما استغنى قائم ومضروب في قوله: أقائم أخواك؟ وما مضروب غلامك، عن خبر من حيث سد الاسم المرفوع بهما مسد الخبر؛ لأن (قائم ومضروب) قاما مقام الخبر، فينزل كل واحد منها مع المرفوع به منزلة الجملة.
وكذلك إذا أسند اسم المفعول إلى الجار والمجرور، سد مسد الاسم الذي يرتفع به، كقولك: أمحزون على زيد، ومأسوف على بكر؛ كما تقول في الفعل: أتحزن على زيد؟ وما يؤسف على بكر، فلما كانت "غير" للمخالفة جرت لذلك مجرى النفي، وأضيفت إلى اسم المفعول وهو مسند إلى الجار والمجرور اللذين بمنزلة الاسم الواحد؛ سد ذلك مسد الجملة؛ حيث أفاد قولك: غير مأسوف ما يفيده قولك: ما يؤسف على بكر فافهم (¬3).
¬__________
(¬1) انظر في أثر أبي نزار وكتاب تذكرة النحاة لأبي حيان (170)، وانظر نص أبي حيان في خزانة الأدب (1/ 346).
(¬2) عبد المنعم بن صالح بن أحمد بن محمد التيمي القرشي: عالم بالأدب واللغة، وقرأ على ابن بري وغيره، له "تحفة المعرب وطرفة المغرب" رتبه على أبواب، في كل باب آية وبيت من الشعر ومسألة نحوية (ت 633 هـ). الأعلام للزركلي (4/ 167).
(¬3) خلاصة القول أن في هذا البيت ثلاثة أقوال، وقد نص عليها البغدادي في الخزانة قائلًا: (أورده مثالًا لإجراء "غير" قائم الزيدان، مجرى: ما قائم الزيدان، لكونه بمعناه، وتخريج البيت على هذا أحد أقوال ثلاثة هو أحسنها؛ وإليه ذهب ملك النحاة الحسن بن أبي نزار، وابن الشجري أيضًا في أماليه، و"مأسوف" اسم مفعول من الأصف وهو أشد الحزن، وباب فعله فرح. و"على زمن": متعلق به على أنه نائب الفاعل. وجملة "ينقضي": صفة لزمن. و "بالهم": حال من ضميره، أي: مشوبًا بالهم، فلما كانت "غير" للمخالفة في الرصف وجرت لذلك مجرى حرف النفي، وأضيفت إلى اسم المفعول المسند إلى الجار والمجرور -والمتضايفان بمنزلة الاسم الواحد- سد ذلك مسد الجملة؛ كأنه قيل: ما يؤسف على زمن هذه صفته.
قال أبو حيان في تذكرته: ولم أر لهذا البيت نظيرًا في الإعراب إلا بيتًا في قصيدة المتنبي يمدح بها بدر بن عمار الطبرستاني (البيت الذي ورد بالشرح) فـ "العراب" مرفوع بمدفوع، ومن جمله مبتدأ فقد أخطأ؛ لأنه يصير التقدير: العراب غير مدفوع عن السبق؛ والعراب جمع فلا أقل من أن يقول غير مدفوعة؛ لأن خبر المبتدأ لا يتغير تذكيره وتأنيثه بتقديمه وتأخيره.
والقول الثاني لابن جني، وتبعه ابن الحاجب، وهو: أن "غير" خبر مقدم، والأصل: زمن ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، ثم قدمت عليه وما بعدها، ثم حذف زمن دون صفته فعاد الضمير المجرور بـ "على" على غير مذكور، فأتى بالاسم الظاهر مكانه وحذف الموصوف، بدون شرطه المعروف، ضرورة. =

الصفحة 484