كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

قوله: "أنتما": فاعل لقوله: واف، سد مسد الخبر، قوله: "لي" اللام فيه للتعليل، أي: لأجلي وهو يتعلق بقوله: "تكونا" مستتر فيه، وخبره قوله: "على من أقاطع" و "من": موصول و"أقاطع": صلته، والعائد محذوف أي: أقاطعه.
الاستشهاد فيه:
في قوله: "ما وافٍ بعهدي أنتما" حيث سد الفاعل وهو قوله: "أنتما" مسد الخبر لمبتدأ وهو قوله: "وافٍ" وذلك بعد اعتماده على النفي، وذكر سيبويه أن الفاعل إنما يسد مسد الخبر إذا اعتمد على الاستفهام أو النفي، ولم يجوّز في غير هذين الموضعين إلا على القبح (¬1).
وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك في غير استفهام ولا نفي، واستدلوا على ذلك بالبيت الذي يأتي الآن -إن شاء الله تعالى - (¬2).
وأجاب سيبويه عن هذا أنه قبيح وإن استعمله الشاعر (¬3)، ويقال: إن في هذا البيت شاهدًا على إبطال قول الكوفيين، ومن تبعهم كابن الحاجب (¬4) والسهيلي أنه يجب في نحو: أقائم أنت؟ في كون "أنت" مبتدأ مؤخرًا (¬5)، وكان الزمخشري يوافقهم -أيضًا- لأنه جزم في قوله تعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ} [مريم: 46] بذلك (¬6)، وشبهتهم أن الفعل لا يليه فاعله منفصلًا،
¬__________
(¬1) الكتاب لسيبويه (2/ 36، 37 - 45)، وقال ابن مالك: "وأشرت بقولي (بتقييد المرفوع بالانفصال) إلى أن المرفوع بالوصف المذكور لا يسد مسد الخبر إذا كان متصلًا، بل إذا كان منفصلًا، وذكر الانفصال أولى من ذكر الظهور، فإن المنفصل يعم الظاهر والضمير غير المتصل، وكلاهما يسد مسد الخبر إذا ارتفع بالوصف المذكور؛ إذ لا فارق بين قولك: أضارب الزيدان؟ وما ضارب هما، ومنه في أحد الوجهين: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ}. شرح التسهيل لابن مالك (1/ 268)، وينظر شرح شذور الذهب لابن هشام (181، 182).
(¬2) ينظر الشاهد رقم (151) والارتشاف (2/ 27) وقال ناظر الجيش: "وثمرة هذا الخلاف تظهر في التثنية والجمع. فالكوفيون لا يجيزون إلا: أقائمان أنتما؟ وأقائمون أنتم؟ واحتجوا بأن الوصف إذا رفع الفاعل الساد مسد الخبر كان جاريًا مجرى الفعل، والفعل لا ينفصل منه الضمير في قولك: أتقومان؟ وأتقومون؟ فلا ينبغي أن ينفصل ما يجري مجراه، وإذا لم يجز انفصاله وجب أن يقال: أقائمان أنتما؟ وأقائمون أنتم؟ حتى يكون الضمير الذي في: "قائم" متصلًا به كاتصاله بالفعل في: أتقومان؟ وأتقومون؟ إلا أن الفعل مستقل بنفسه والاسم الذي فيه ضمير متصل غير مستقل بنفسه؛ ولذا احتاج إلى رافع وهو: أنتما وأنتم". شرح التسهيل لناظر الجيش (1/ 882، 883)، تحقيق: د. علي فاخر، وينظر التذييل والتكميل (3/ 270)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 94).
(¬3) ينظر الارتشاف (2/ 27).
(¬4) ينظر الآمالي النحوية لابن الحاجب (3/ 25)، تحقيق: حسن هادي حمودي.
(¬5) راجع المغني (557).
(¬6) الكشاف (3/ 20)، ونصه يقول: "وقدم الخبر على المبتدأ في قوله: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ} أنه كان أهم عنده وهو عنده أعني، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته".

الصفحة 486