كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

المراد -أَيضًا - وكذلك: بنونا بنو أبنائنا (¬1)، وقد يقال: إنه لا تقديم فيه ولا تأخير وإنه جاء على عكس التشبيه للمبالغة؛ فحينئذ لا استشهاد فيه كقول ذي الرمة غيلان (¬2):
ورمل كأوراك العذارى قطعته ... .........................
وقال الشيخ جمال الدين: كان ينبغي لابن الناظم أن يستدل بما أنشده والده في شرح التسهيل (¬3):
قَبِيلَةٌ أَلْأَمُ الأَحْيَاءِ أكرَمُهَا ... وَأَغْدَرُ النَّاسِ بِالجْيرَانِ وَافِيهَا
إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم النَّاس وعن وافيها بأنه أغدر النَّاس لا العكس (¬4) وفيه شاهدان وهذا البيت لحسان - رضي الله تعالى عنه، وقبله (¬5):
1 - أَبْلِغْ هَوَازِنَ أَعْلاهَا وَأَسْفَلَهَا ... أَنْ لَسْتُ هَاجِيهَا إِلا بِمَا فِيهَا
2 - وَشَرُّ مَنْ يَحْضُرُ الأَمْصَارَ حَاضِرَهُمْ ... وَشَرُّ بَادِيَةِ الأَعْرَابِ بَادِيهَا
3 - تَبلَى عِظَامُهُمْ إما هُمُو دُفِنُوا ... تَحْتَ التُّرابِ ولا تَبْلَى مَخَازِيهَا
¬__________
(¬1) المبتدأ عامل في الخبر، وحق العامل أن يتقدم على المعمول؛ ولذلك كان حق المبتدأ أن يتقدم على الخبر، ويجوز تقديم الخبر على المبتدأ لشبهه بالفعل في كونه مسندًا، ولشبه المبتدأ بالفاعل في كونه مسندًا إليه، ولكن تقديم الخبر يشترط فيه أمن اللبس، فلو كان المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين وجب تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، ولا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إلَّا بقرينة معنوية، والقرينة هنا هي مراد القائل الأعلام بأن بني أبنائهم كبنيهم، فالمؤخر مشتبه والمقدم مشتبه به، ولا يستقيم المعنى إلَّا بالتأويل، والأصل تقديم المشبه وتأخير المشبه به كقولك: زيد زهير شعرًا، وعمرو عنترة شجاعة، وأبو يوسف أبو حنيفة فقهًا، وسهل في البيت العكس وضوح المعنى، والعلم بأن الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة، فلو تقدم زهير على زيد، وعنترة على عمرو، وأبو حنيفة على أبي يوسف لم يمتنع؛ لأن المعنى لا يجهل.
ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296، 297).
(¬2) من الطَّويل وعجزه:
................... ... إذا جللته المظلمات الحنادس
والشاهد فيه تشبيه الرمل بأوراك العذارى، وهو تشبيه مقلوب، والأصل عكسه، والبيت في ديوانه، بشرح أبي نصر حاتم الباهليّ (1131)، تحقيق: عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان، بيروت، طبعة ثانية (1982 م).
(¬3) البيت لحسان من البسيط في ديوانه (254) شرح عبدأ مهنا، وفي (256) ط. دار المعارف، تحقيق: د. سيد حنفي، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296) والدرر (1/ 76) غير منسوب والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1055) وهو شاهد على أن: "ألأم الأحياء أكرمها" وقوله: "أغدر النَّاس" حيث قدم الخبر على المبتدأ في الموضعين مع مساواتهما في التعريف والقياس تقديم المبتدأ على الخبر.
(¬4) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296، 297).
(¬5) انظر ديوان حسان (256)، ط. دار المعارف، تحقيق: د. سيد حنفي.

الصفحة 505