كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

وفي الأول من هذين البيتين شاهدان -أَيضًا - على ذلك، وأنشد ابن الناظم -أَيضًا - في هذا الباب (¬1):
جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيكَ وقد ... يُعْدِي الصحاحَ مباركُ الجُرْبِ
"جانيك": خبر، و"من": مبتدأ، ومعناه: الذي تعود جنايته عليك من العاقلة هو الذي يكسبك، و"الصحاح": مفعول، و"مبارك": تمييز عن الفاعل، و"الجرب": فاعل يعدي.
والمعنى: قد تعدي الإبل الجرب الإبل الصحاح التي صحت مباركها (¬2)، وزعموا أن من خفض الجرب مخطئ، وزعم بعضهم أن ذلك رواية, وهذا عندي جيد، ويكون الشَّاعر أقوى كما أقوى في بيت آخر في القصيدة، والمعنى على ذلك حسن، والبيت لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، وهو أول من أطال الشعر بعد مهلهل وقبله:
يَا كعبُ إنَّ أَخَاكَ مُنْحَمقٌ ... فاشْدُدْ إِزَارَ أخيكَ يَا كعبُ
وبعده:
وَالحرْبُ قَدْ يَضْطَرُّ جَالِبُهَا ... نحو المضِيقِ ودونَهُ الرَّحْبُ
وَلَرُبَّ مَأْخُوذٍ بذَنْبِ عَشِيرَةٍ ... ونَجَي المقَارفُ صَاحِبُ الذَّنْبِ (¬3)

الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة (¬4) , (¬5)
فَيَا رَبِّ هَلْ إلا بِكَ النَّصْرُ يُرْتَجَى ... عَلَيهِم وَهَلْ إلا عَلَيكَ المعُوَّلُ
أقول: قائله هو الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، شاعر مقدم، وعالم بلغات العرب، وخبير بأيامها، من شعراء مضر والمتعصبين على القحطانية، وكان
¬__________
(¬1) البيت من بحر الكامل، لذؤيب بن كعب بن عامر، والبيت ليس في شرح الألفية لابن الناظم طبعة دار السرور ولعله يقصد الناظم نفسه؛ فالبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 297)، وفي جمهرة الأمثال (1/ 306، 307)، طبعة دار الفكر، وفي اللسان: "جنى" وهو شاهد على تقديم الخبر عل المبتدأ وهو معرفة للعلم بكونه خبرًا.
(¬2) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 297، 298).
(¬3) ينظر جمهرة الأمثال (1/ 306، 307)، والعقد الفريد (1/ 35)، (5/ 15، 237) شرح أَحْمد أمين، وأَحمد الترك، وإبراهيم الإبياري، وذكر ابن عبد ربه أن قائل الأبيات اسمه ذؤيب بن كعب بن عمرو، وذكر أبو هلال العسكري أن اسمه: ذؤيب بن كعب بن عامر.
(¬4) ابن الناظم (46)، وتوضيح المقاصد (1/ 184)، وأوضح المسالك (1/ 147)، وشرح ابن عقيل (1/ 235).
(¬5) البيت من بحر الطَّويل، وهو للكميت، وانظره في حاشية الصبان (1/ 211)، والدرر (2/ 26)، وسر الصناعة (1/ 139)، وشرح التصريح (1/ 173)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 102).

الصفحة 506