كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 1)

معطوفة عليها، "وقد حلبت": الخبر، ولم يقل: قد حلبتا؛ لأن التقدير: كم عمة لك قد حلبت وخالة قد حلبت، فاكتفى بأحد الخبرين عن الآخر، وجاز الابتداء بالنكرة لوصفها بالجار والمجرور وهو: لك، وكم في هذا الوجه إما ظرف وإما مصدر، أي: كم حلبت عمة لك، وخالة قد حلبت، أو كم وقت عمة لك وخالة قد حلبت، فالمميز محذوف، والمراد: الإخبار بكثرة الحلبات أو بكثرة الأوقات، إن جعلت كم خبرًا قدرت المميز المحذوف مجرورًا، وإن جعلتها استفهامًا قدرت المميز المحذوف منصوبًا، قوله: "عشاري" منصوب على أنَّه مفعول حلبت.
فإن قلت: ما معنى قد حلبت علي؟
قلت: معناه: حلبت على كرهٍ مني، وهذا كما يقال: باع القاضي عليه داره، والمعنى: كنت أكره وأستنكف أن يحلب أمثالها عشاري، ويشهد لهذا المعنى [قوله] (¬1): "فدعاء".
الاستشهاد فيه:
في قوله: "عمة" حيث جاز رفعها على الابتداء، وهو نكرة لوقوعها بعد كم الخبرية (¬2).

الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة (¬3) , (¬4)
قَد ثَكلَتْ أُمُّهُ مَنْ كنتُ وَاجِدَهُ ... وباتَ مُنْتَشِبًا في بُرْثُنِ الأسَدِ
أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأَنْصَارِيّ - رضي الله عنه -، وهو من قصيدة دالية، وأولها هو قوله:
1 - أَمْسَى الخَلَابيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كثُرُوا ... وابن الفُرَيعَةِ أَمْسَى بَيضَةَ البَلَدِ
2 - يَرْمُونَ بِالْقَوْلِ سِرًّا فيِ مُهَادَنَة ... يُهَدَى إليَّ كَأَني لَسْتُ مِنْ أَحَدِ
3 - قَدْ ثَكلَتْ ............... ... ........................ إلخ (¬5)
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(¬2) جعل المسوغ للابتداء بالنكرة هو وقوعها بعد كم الخبرية، وقال بعض المحدثين بأن إعراب لك في البيت متعلق بمحذوف هو صفة لـ"عمة"، وتعددت الصفة بقوله: "فدعاء" الذي يرشد إليه وصف "خالة"، وعلى هذا لا يكون المسوغ في البيت هو وقوع النكرة بعد (كم) الخبرية، وإنما هو وصف النكرة، ولا مسوغ فيه سوى ذلك. ينظر منحة الجليل (1/ 277)، والكتاب لسيبويه (2/ 72)، وابن يعيش (4/ 133)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 254)، وشرح شواهد المغني (174).
(¬3) شرح ابن عقيل (1/ 229).
(¬4) البيت من بحر البسيط، من قصيدة لحسان بن ثابت في ديوانه (160)، ط. دار المعارف، تحقيق د. سيد حنفي، وهي في الديوان ليست بالترتيب الذي ذكره العيني هنا، وقد ورد بيت الشاهد في الديوان هكذا:
قد ثكلت أمه من كنت واجده ... أو كان منتشبًا في برثن الأسد
وينظر ابن يعيش (1/ 92)، وتوضيح المقاصد (1/ 282)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 103)، والمغني (116).
(¬5) هذا البيت سقط في (ب).

الصفحة 528