كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 2)

مثله كائنًا فيهم، قوله: "ولا كان قبله": جملة منفية عطف على الجملة المنفية التي قبلها، وكان هنا تامة بمعنى وجد (¬1)، أي: ولا وجد مثله قبله، وقبله نصب على الظرف.
قوله: "وليس يكون": جملة منفية أيضًا عطف على ما قبلها، واسم ليس ضمير الشأن، قوله: "يكون": خبره وهي تامة بمعنى يوجد، و "الدهر"؛ منصوب على الظرفية، والتقدير: ليس الشأن يوجد مثله في الدهر، قوله: إما دام يذبل " يعني مدة دوام يذبل، ويذبل مرفوع لأنه فاعل دام.
الاستشهاد فيه:
على أن ليس نفت المستقبل، وإنما وضعها لنفي الحال، ولكن تنفي المستقبل أيضًا عند قيام القرينة كما في البيت المذكور، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8]، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} [الغاشية: 6]، وهذا الباب فيه اختلاف: فقال الجزولي (¬2): هي للنفي مطلقًا (¬3)، وقال الجمهور: هي لنفي الحال (¬4)، وقال الزمخشري في المفصل: فلا تقول: ليس زيد قائمًا غدًا (¬5).
وقال الشلويين (¬6)، وتبعه الناظم وابنه (¬7) -وهو الصواب: إذا لم يكن للخبر زمن مخصوص تُقيدُ نفيها بالحال كما يحمل عليه الإيجاب المطلق وإن كان له زمن مخصوص تفيد نفيها به، فمما نفت به الماضي قولهم: ليس خلق اللَّه مثله (¬8)، وعلى ذلك أجاز سيبويه: ما زيد ضربته بالرفع؛ على أن تكون ما حجازية، ولو لم يصح لليس نفي الماضي لم يجز ذلك في ما المحمولة
¬__________
(¬1) قال الزمخشري: "وكان على أربعة أوجه ناقصة كما ذكر وتمامه بمعنى وقع ووجد .. " شرح ابن يعيش (7/ 97)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 342)، والارتشاف (2/ 76).
(¬2) هو عيسى بن عبد العزيز الجزولي أبو موسى، ألف: الأمالي وشرح أصول ابن السراج والجزولية (ت 607 هـ)، الأعلام (5/ 104).
(¬3) قال ابن مالك: "وقد تنبه أبو موسى الجزولي إلى ذلك فقال في كتابه المسمى بالقانون: وليس لانتفاء الصفة عن الموصوف مطلقًا"، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 380).
(¬4) قال ابن مالك: "زعم قوم من النحويين أن (ليس وما) لنفي ما في الحال"، شرح التسهيل (1/ 380).
(¬5) المفصل (268)، وشرح ابن يعيش (7/ 111)، وينظر ارتشاف الضرب (2/ 79).
(¬6) هو عمر بن محمد بن عمر أبو علي، ألف شرح المقدمة الجزولية والتحليق على كتاب سيبويه وغيرهما، ينظر الأعلام (5/ 62).
(¬7) ينظر نفي ليس للحال ما لم تقيد بزمان المقدمة الجزولية لأبي موسى (104)، وشرح المقدمة الجزولية لأبي علي الشلوبين (772) (تركي العتيبي)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 380)، وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (51).
(¬8) قال أبو حيان: "وذهب الأستاذ أبو علي إلى أنها لنفي الحال في الجملة غير المقيدة بزمان، والمقيدة بزمان تنفيه على حسب القيد، وهو الصحيح" الارتشاف (2/ 779)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 380).

الصفحة 579