كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (اسم الجزء: 2)

تامة بمعنى وجدوا، و "لنا": في محل جر نعت للجيران، وقوله: "كرام": بالجر صفة للجيران.
الاستشهاد فيه:
في قوله: "كانوا" فإنهم قالوا: إنها زائدة بين الصفة والموصوف، فإن قيل: ليست كان هاهنا زائدة لوجهين:
أحدهما: أنها مسندة إلى الضمير الذي هو الواو، وذلك يدل على الاهتمام بها، وإلى هذا أشار الشيخ جمال الدين بن هشام بقوله: وليس من زيادتها قوله:
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٍ
لرفعها الضمير خلافًا لسيبويه (¬1).
الثاني: أن "الواو" اسمها، و "لنا": خبرها، والتقدير إذن: وجيران كرام كانوا لنا (¬2).
قلت: أما الأول: فلا يمنع إسنادها زيادتها بدليل إلغاء ظننت مسندة ومتأخرة ومتوسطة، وقد قيل في قوله ـــــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــــــ لعائشة - رضي الله تعالى عنها - (¬3) "كنت لك كأبي زرع لأم زرع": إنّ كنت زائدة، والتقدير: أنا لك كأبي زرع.
والثاني: أن الأصل عدم جواز تقديم الخبر ومنع كون لنا خبرًا مقدمًا.
ثم اعلم أنهم اختلفوا في فاعل الزائدة:
فقال السيرافي: فاعلها مصدر، أي: كان الكون (¬4).
وقال أبو علي: الزائدة لا فاعل لها؛ فعلى هذا لا يكون "كانوا" ها هنا زائدة (¬5)، ومن قال
¬__________
(¬1) ينظر أوضح المسالك لابن هشام (1/ 258).
(¬2) قال ابن هشام في حديثه عن الضمير في "كانوا كرام": وقيل: بل هو معمول لكان بالحقيقة، فقيل: على أنها ناقصة، ولنا: الخبر، المغني (287).
(¬3) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل (9/ 317) برقم (5189) عن عائشة بلفظه، وأخرجه مسلم في صحيحه (شرح النووي) كتاب فضائل الصحابة، باب حديث أم زرع (15/ 547) عن عائشة بلفظه.
(¬4) قال أبو حيان: وقال السيرافي: فاعلها ضمير المصدر الدال عليه الفعل كأنه قيل: كان هو أي الكون" ينظر ارتشاف الضرب (3/ 96)، شرح الجمل الكبير لابن عصفور (1/ 409)، والهمع (1/ 120).
(¬5) قال السيوطي: "وذهب الفارسي إلى أنها لا فاعل لها؛ لأن الفعل إذا استعمل استعمال ما لا يحتاج إلى فاعل استغني عنه بدليل: أن قلما فعل، ولما استعملته العرب للنفي لم يحتج إلى الفاعل إجراء له مجرى حرف النفي" الهمع (1/ 120، 121) وشرح الجمل الكبير لابن عصفور (1/ 274)، وشرح المغرب (2/ 885)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 294).

الصفحة 606