كتاب جوامع السيرة ط المعارف

قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما " (1) . وإذا ذكر الحرة قال: " وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً " (2) . ويقول أيضاً في مقتل عبد الله بن الزبير: " وقتله أحد مصائب الإسلام وخرومه، لأن المسلمين استضيموا بقتله ظلماً وعلانية وصلبه واستحلال الحرم " (3) .
ومثل هذه الأقوال لا يرددها من يتعصب للأمويين، أو من يحاول أن يعتذر عن كل ما حدث في أيامهم.
وقد غلبت على ابن حزم في التاريخ طريقة التلخيص، كما فعل في السيرة، فإنه جردها من الأشعار والقصص. وكان تناوله للفتوحات، وتواريخ الخلفاء في نقط العروس، وغير هذين، على هذا المنهج أيضاً.
ويمتاز عمله في هذه الناحية بجمعه أشياء متفرقة متباعدة تحت موضوع واحد، كأن يعقد فصلاً يعدد فيه أمراء الرسول، وآخر يعدد فيه سراياه، وثالثاً يذكر أبناءه وأزواجه.
وربما جمع المادة الواحدة تحت عنوان واحد، متوخياً في ذلك الاستطراف والجدة، مقل: تسمية من ولي الخلافة في حياة أبيه، من ولي وأخوه أسن منه حي، من كان له اسمان من الخلفاء، أقصر الخلفاء عمراً، من تسمى بالخلافة من غير قريش ... الخ (4) . ولاشك أن هذه الرسائل تعين طلاب العلم لما فيها من تركيز على تناول المادة المتفرقة دون عناء كبير.
ويظهر من هذه الطريقة أن ابن حزم كان دائم التقييد أثناء مطالعته، وأن مثل هذه الرسائل مجموعات من تلك المقيدات. ولم يكن ابن حزم مبتكراً
__________
(1) المحل لابن حزم 1: 236.
(2) رسالته في الخلفاء - ملحقات جوامع السيرة: 360.
(3) رسالة ابن حزم في الخلفاء - ملحقات جوامع السيرة: 360.
(4) انظر صفحات متفرقة في نقط العروس لابن حزم.
ألوف، حتى رووا كلهم، وفاضت إلى يوم القيامة. وشرب من بئر الحديبية ألف وأربعمائة، حتى رووا كلهم، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء.
(5) وأمر عليه السلام عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أن يزود أربعمائة راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير، فزودهم كلهم منه، وبقى بجثته كما كان (1) .
(6) ورمى الجيش بقبضة من تراب، فعميت عيونهم، ونزل بذلبك القرآن في قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (الأنفال: 17)
(7) وأبطل عز وجل الكهانة بمبعثه، فانقطعت، وكانت ظاهرة موجودة.
(8) وحن إليه الجذع الذي كان يخطب إليه، إذ عمل له المنبر، حتى سمع منه جميع الحاضرين مثل صوت الإبل، فضمه إليه، فسكن. وموضع الجذع معروف إلى اليوم، موقف عليه.
(9) ودعا اليهود إلى تمنى الموت، وأخبرهم أنهم لا يتمنونه، فحيل بينهم وبين النطق بذلك، وهذا منصوص في القرآن (2) .
__________
(1) الربضة (بضم الراء وكسرها) ، ويقال: " أتانا بتمر مثل الربضة الخروف " أي قدر جثة الخروف الرابض. في الأصل: " وبقى بجنسه كما كان "، وكأنها محرفة عن " بجثته "، وجثة الإنسان وغيره شخصه. قال ابن فارس إن أصل مادته (جث) تدل على تجمع الشيء.
(2) هو أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} (البقرة: 94 - 95) وأمره تعالى: {قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} (الجمعة: 6 - 7) .

الصفحة 9