كتاب الرسالة العرشية

مَعَ قَبْضِهِ لَهَا إلَّا كَالشَّيْءِ الصَّغِيرِ فِي يَدِ أَحَدِنَا، حَتَّى يَدْحُوَهَا كَمَا تُدْحَى الْكُرَةُ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الماجشون الْإِمَامُ نَظِيرُ مَالِكٍ فِي كَلَامِهِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَدَّ فِيهِ عَلَى الْجَهْمِيَّة وَمَنْ خَالَفَهَا وَمَنْ أَوَّلَ كَلَامَهُ قَالَ: فَأَمَّا الَّذِي جَحَدَ مَا وَصَفَ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ تَعَمُّقًا وَتَكَلُّفًا، فَقَدْ اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ، فَصَارَ يَسْتَدِلُّ بِزَعْمِهِ عَلَى جَحْدِ مَا وَصَفَ الرَّبُّ وَسَمَّى مِنْ نَفْسِهِ، بأن قال: لابد إنْ كَانَ لَهُ كَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَذَا، فَعَمِيَ عَنْ الْبَيِّنِ بِالْخَفِيِّ، فَجَحَدَ مَا سَمَّى الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ، بِصَمْتِ الرَّبِّ عَمَّا لَمَّ يُسَمَّ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، فَقَالَ: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَجَحَدَ وَاَللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ وَنَضْرَتِهِ إيَّاهُمْ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 55]، وَقَدْ قَضَى أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ، فَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَنْضُرُونَ.
إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنَّمَا جَحَدَ رُؤْيَةَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ الضَّالَّةِ الْمُضِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا تَجَلَّى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَأَوْا مِنْهُ مَا كَانُوا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُؤْمِنِينَ، وَكَانَ لَهُ جَاحِدًا. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَذَلِكَ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَمْتَلِئُ النَّارُ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطُّ، قَطُّ، وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ "، وَقَالَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ:

الصفحة 19