كتاب الرسالة العرشية

فِي ذَلِكَ بَيْنَ كُرَةٍ وَكُرَةٍ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ لِبَعْضِهَا مَلَائِكَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَحْمِلُهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَظِيرِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} الآية [الزمر: 75].
فَذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحُفُّ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ لَهُ حَمْلَةً، وَجَمَعَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ بَيْنَ حَمَلَتِهِ وَمَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}
أَيْضًا، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ عَرْشَهُ كَانَ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود: 7].
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ "، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ "، وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِهِ صَحِيحَةٍ: " كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَعَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ " وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " وَهَذَا التَّقْدِيرُ بَعْدَ وُجُودِ الْعَرْشِ وَقَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَمَدِّحٌ بِأَنَّهُ ذُو الْعَرْشِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الإسراء: 24]، وقَوْله تَعَالَى:

الصفحة 8