كتاب معيد النعم ومبيد النقم

والحاصل -وهو المقصود- أنه ما من عبد إلَّا وللَّه تعالى عنده نعمة، يجب عليه أن ينظر إليها، ويشكرها حقَّ شكرها بقدرِ استطاعته، حسب ما وصفناه، ولا يستحقرها، ولا يربأ بنفسه عليها. وذلك ميزان يستقيم في كلِّ الوظائف؛ فليعرض كل ذي وظيفة تلك الوظيفة على الشرع؛ فإنَّ سيِّدنا ومولانا ونبيِّنا وحبيبنا وشفيعنا محمد المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن لنا أمر ديننا كلَّه؛ فما من منزلة إلَّا وأبان لنا عمَّا ربطه الشارع بها من التكاليف؛ فليبادر صاحبها إلى امتثاله، منشرحَ الصدر، راضيًا، ويُبْشِر عند ذلك بالمزيد. وإلَّا فإنْ هو تلقّاها بغير قبول، ولم يعطها حقَّها خُشِي عليه زوالها عنه، واحتياجه إليها، ثم يطلبها، فلا يجدها. وإذا زالت فليعلم أنَّ سبب زوالها تفريطه في القيام بحقها، وأنا أضرب لك مثلًا، فأقول: إذا كنت أميرًا، قد خوَّلك اللَّه نعمًا هائلة، لو استحضرت نفسك لوجدتها لا تستحقّ منها ذَرَّة، وبِتَّ في بيتك تتقلَّب في أنعم اللَّه، بين يَدَيك الدراهم والذهب، والمماليك، والجواري، وأنواع الملابس الفاخرة، وأصنافُ الملاذِّ، ثم أصبحت ركبت الخيول المسوّمة، ولبست الثياب الحسنة، ثم جلست في بيتك لابسًا قباء عظيمًا، مطرّزًا بالذهب الذي حرَّمه اللَّه تعالى على الرجال، مُطرِقًا مصمِّمًا بوجه عبوس، تُبرق وترعد كأنَّك طالب ثأر من الخلق، وأخذت تحكم فيهم بخلاف ما أمركَ اللَّه به، الذي بتَّ تتقلَّب في أنعمه، معتقدًا أنَّ ما تحكم به هو الأصلح، وأنَّ حكم اللَّه تعالى لا ينفع، فما جزاؤك! ولم لا تزول عنك هذه النعمة! فإن ضممت إلى هذا أنواعًا أُخَر من المعاصي، فأنت بنفسك أخبر، واللَّه عليك أقدر. فاحفظ اللَّه يحفظك. احفظ اللَّه تجده تجاهك؛ تعرَّف إلى اللَّه في الرخاء يعرفك في الشدَّة؛ خف اللَّه، الذي يمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته. واعلم أنَّه ما من عبد إلَّا وعليه حقوق للمسلمين، يتعيَّن عليه توفيتها، والشكر عليها، حيث أقامه اللَّه فيها، واستأهله لها؛ فإنَّها خِدْمة من خدم اللَّه تعالى. ولا يخفى عليك أنَّ مِلكًا لو استخدمك في أيسر حاجة لسُرِرت بذلك؛ فكيف بملك الملوك! وما من وظيفة إلَّا وللمسلمين حقوق على صاحبها. سمعت الشيخ الإِمام رضي اللَّه عنه يقول: لكلِّ مسلم عندي، وعند كل مسلم حقّ في أداء هذه الصلوات الخمس. ومتى فَرَّط مسلم في صلاة واحدة كان قد اعتدى على كل مسلم، وأَخَذَ له حقًّا من حقوقه؛ لعدوانه

الصفحة 114