كتاب معيد النعم ومبيد النقم

المال من غيرِ وجهه، وتركه لوارثه، فعملَ به الخير، فيرى غيره يدخل به الجنة وهو يدخل به النار" وكان الشيخ أبو إسحق الشيرازي يستعيذُ باللَّهِ من مثلِ هذا العلم حيث كان يقول: نعوذُ باللَّه من علم يكون حجة علينا، وينشد:
علمتَ ما حلَّل المولى وحرَّمه ... فاعملْ بعلمك إنَّ العلمَ للعملِ
وفي مثل هذه الطائفة يقول الشاعر:
يا أيُّها الرجل المعلم غيره ... هلَّا لنفسك كان ذا التعليمُ!
تصف الدواء من السقام لذي الضنى ... ومن الضنى -مُذْ كنت- أنت سقيم
ما زلت تُلقح بالرشاد عقولنا ... صفة وأنت من الرشاد عديمُ
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها ... فإذا انتهت عنه فأنتَ حكيمُ
فهناك تُقبل إن وعظت، ويُقتدى ... بالقول منك، وينفع التعليمُ
لا تنه عن خلق وتأتَى مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
فهذه الطائفة إذا واخذها اللَّه تعالى فلا ينبغي أن تعتب وتقول: نحن أهل العلم؛ فإن صنيعها ليس بصنيع أهل العلم الذين هم أهل العلم؛ بل هؤلاء كما قال اللَّه تعالى: {لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬1) فما قوبلوا إلَّا بعدل من اللَّه تعالى.
ومنهم طائفةٌ لا تترك الفرائض، ولكنَّها أحبَّت العلم والمناظرة وأن يُقال: فلان اليوم فقيه البلد، حبًّا اختلط بعظمها ولحمها، فاستغرقت فيه أكثر أوقاتها، واستهانت بالنوافل، ونسيت القرآن بعد حفظه، وشمخت بآنافها مع ذلك، وقالت: نحن العلماء: وإذا قامت لصلاة الفريضة قامت أربعًا لا تذكر اللَّه فيها إلَّا قليلًا، مزجت صلاتها بالفكر في باب الحيض ودقائق الجنايات. وربَّما جاء ليقول: إيَّاك نعبد وإياك نستعين، فسبق لسانه إلى ما هو مفكَّر فيه من جزئيات الفروع، فنطقَ به. ثم إذا سألت واحدًا من هذه الطائفة: أصلَّيت سنَّة الظهر؟. قال لك: قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة أو قلت له: أخشعت في صلاتك؟. قال: ليس الخشوع من شرائط صحة الصلاة. أو قلت له: أنسيت القرآن؟. قال لك: لم يقل إن نسيانه كبيرة إلَّا صاحب العدة، وما الدليل
¬__________
(¬1) سورة الروم الآية 7.

الصفحة 68