كتاب معيد النعم ومبيد النقم

باطل؛ لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا ما يشاؤون، وإنَّما هو عطف على ما هو معمول للترك. والمعنى: أن نترك أن نفعل. وقال بعضهم في قوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} (¬1) إنَّ {مِنَ} متعلِّقة بأغنياء، وهو فاسد، لأنه متى ظنَّهم ظانٌّ أغنياء من التعفّفِ عَلِم أنهم فقراء من المال، فلا يكون جاهلًا بحالهم، وإنَّما هي متعلِّقة بيحسب وهي للتعليل. وقال بعضهم في قول الشاعر:
أقول لعبدَ اللَّهَ لمَّا سِقاؤنا ... ونحنُ بوادي عبد شمس وهاشمِ
هذا لحنٌ؛ فأين فعلا لما؟ وعلام نصب اللَّه؟ ولأيّ شيء فتح الدال من عبد؟ وجوابه: أنَّه لم يتأمَّل، أمَّا عبد فترخيم عبدة. وأمَّا اللَّه فنصب على الإغراء. وأمَّا فعلا لما: سقاؤنا مرفوع بفعل محذوف فسره بقوله: وهي أي ضعف. والجواب محذوف تقديره: قلت، بدليل قوله: أقول. وقوله: شِمْ فعل أمر من قولك شِمْت البرق إذا نظرتَ إليه. والمعنى أقول لما سقط سقاؤنا، ونحن بوادي عبد شمس، قلت لعبدة احذر اللَّه شِم البرق. وقريب من هذا البيت قول الشاعر:
أقول لعبد اللَّه لما لقيته ... ونحنُ على جنب الظُّبا والقناطرِ
القنا: الرماح. وطر: فعل أمر من الطيران. ونظير هذين البيتين في الإِلغاز:
عافت الماء في الشتاء فقلنا ... برِّديه، تصادفيه سخينا
يُقال كيف تبرده، فتصادفه سخينا! وهذه غفلة؛ والأصل: بَلْ رِدِيهِ. ثم كتب جملة واحدة لأجل الإلغاز. وقول الشاعر:
لما رأيت أبا يزيد مقاتلًا ... أَدَع القتال وأشهدَ الهيجاء
يُقال: أين جواب لما؟ وبم انتصب أدَع؟ وهذه غفلة؛ فالأصل: لن ما، أدغمت النون في الميم للتقارب، ووصلا في الخط، وحقهما أن يكتبا منفصلين. وأمَّا انتصابُ أَدَعَ فبلَنْ، وما الظرفية وصلتها ظرف له، فاصل بينه
¬__________
(¬1) سورة البقرة الآية 273.

الصفحة 77