كتاب معيد النعم ومبيد النقم

وبين لن للضَّرورة. فيسأل حينئذٍ: كيف يجتمع قوله: لن أدع القتال مع قوله: لن أشهد الهيجاء، والهيجاء مُشتَجر الحرب؟ والجواب أنَّ أشهد ليس معطوفًا على أدع بل نصبه بأن مضمرة وأن والفعل عَطْف على القتال، أي لن أدع القتال وشهودَ الهيجاء؛ على حد قول الشاعر:
ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبُّ إليَّ من لبس الشُّفوف
وقولُ الشاعر:
ويح من لامَ عاشقًا في هواه! ... إن لومَ المحب كالإِغراءُ
يقال: كيف ارتفع الإغراء بعد كاف التشبيه؟ والجواب: أنَّ الكاف ضمير المخاطب، متَّصلة بالمحب، والألف واللام في المحب بمعنى الذي أحب، والإِغراء خبر إن. والمعنى إنَّ لوم المحبك هو الإغراء، وحق الكاف أن توصل في الخط بالمحب، ولكن فُصِلت للّغز. وقول الشاعر:
يا صاحبٍ ملك الفؤاد عشية ... زارَ الحبيب بها خليل نائي
لما بدا لم أدر: بدرَ دُجَنَّةٍ ... أم وجه من أهواه طرفي رائي
يُقال: كيف جَرّ صاحب وهو منادي مفرد؟ وجوابه أنه يا صاح مرخم، و"بِنْ" فعل أمر من بان يبين إذا فارق، وكتبت هكذا على نحو صاحب لأجل الإِلغاز. ويُقال: علام نصب بدر من قوله: بدر دجنة، وما قبل الاستفهام لا يعمل فيه؟ وجوابه أنه منصوب براءٍ. والمعنى: لم أدر طرْفي رأي بدر دجنة أم وجه من أهواه. وقول الشاعر:
لا تقنَطَنَّ وكن في اللَّه محتسبًا ... فبينما أنت ذا يأسٍ أتى الفرجا
الفرج مفعول، العامل فيه اسم الفاعل وهو محتسب. والمعنى: وكن في اللَّه محتسِبًا الفرج، فبينما أنت ذا يأس أتى. وقال العباس بن مِرْداس:
ومن قبلُ آمنَّا وقد كان قومنا ... يصلون للأوثان قبلَ محمّدًا
قال لي مرة طالب نحوي: كيف نصب محمدًا وهو مضاف إليه؟ فقلت له: قبل أن أجيبكَ أسألك: هل صلَّى المسلمون قط لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أو لربِّه تعالى؟ فقال: بل لربِّه تعالى. فقلت: ففكِّر؛ فإنَّ أحدًا لم يصل قط للنَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا قبل الأوثان ولا بعدها. والجواب أن آمنًا في البيت معناه: صدقنا، ومحمدًا مفعول

الصفحة 78