كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 12)

248 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مروان بْن سالم، أبو مُحَمَّد التُّنوخيّ المَعَرِّيّ، المعروف بابن المنجّم الواعظ. [المتوفى: 557 هـ]
كان أَبُوهُ ينجّم بدمشق، وكان هُوَ يمشي على الدّكاكين يُنْشِد فِي الأسواق بصوتٍ مُطْرِب. خرج عن دمشق ورجع بعد مدَّةٍ، فكان يعظ فِي الأعزية، ثُمَّ وعظ على الكُرسيّ ورُزِقَ القبول. ثُمَّ سافر إلى العراق وتزَّهد، وظهر له بها سُوق. ثُمَّ رجع إلى دمشق فوعظ، وأقبلوا عليه.
قال ابن عساكر: وكان يُظهِر لكلّ طائفةٍ أنّه منهم حِرصًا على التّحصيل، وطلع صبيّ يتوب فحمله وقال: هذا صغير ما أتى صغيرةً فهل كبيرٌ ركب الكبائر. فضجّ النّاس وبكوا. وحضرنا عزاء أمير المؤمنين المقتفي بدمشق، فقام ورثاه بأبيات، فخلع عليه القاضي أبو الفضل ابن الشّهْرُزُوريّ ثوبه، وقال فِي ذلك اليوم: أنا المُعري لا المَعري. وذكر أشياء أضحك منها الحاضرين.
وقال ابن النّجّار: قَدِمَ بغداد قبل الأربعين وخمس مائة وعليه مسح مثل السّيّاح، وصار له ناموس عظيم ووعظ؛ وازدحموا عليه، وجلس بدار السّلطان، فحضر السلطان مجلسه، وصار له الجاه العظيم، ونفّذه الخليفة رسولًا إلى الموصل، وفشا أمره. وكان مشتهرًا بنكاح الأبكار وأكثر من ذلك، حَتَّى قيلت فِيهِ الأشعار فِي الأسواق، وصار له جَوَارٍ يغنين. وفرَّ من بغداد هاربًا من الغُرَماء، وأقام بدمشق. وله ديوان شِعْر رَأَيْته فِي مجلَّدة، وأنشدنا عَنْهُ ابن سُكَيْنَة، ومن شِعْره:
يا ساهرًا عبراته ذرف ... في الخد إلا أنها علق
أتقيم بعدهم وقد رحلوا ... ومَطيَّتَاكَ الشَّوْقُ وَالْقَلْقُ
وله:
أرى حبّ ذات الطَّوْق يزداد لوعة ... إذا نُحتُ أَوْ ناح الحَمَام المُطَوِّق -[128]-
وقلبي على جَمْر الوداع مُوَدِّعٌ ... وإنسان عيني بالمدامع تغرق

الصفحة 127