249 - عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان، أبو مروان الإشبيليّ. [المتوفى: 557 هـ]
شيخ الأطبّاء، له مصنَّفات فِي الطّبّ. أخذ عن والده، وتقدَّم فِي الطبّ، ورأس، وشاع ذكره، ولحق بأبيه أبي العلاء زُهْر فِي الصّناعة، وأقبل الأطبّاء على حِفْظ مصنفاته.
وكان واصلًا عند عَبْد المؤمن، عالي القدْر، صنّف له "التِّرْياق السّبعينيّ" ونال من جهته دُنيا عريضة. ومن أجل تلامذته أبو الحسين بن أسدون المصدوم، وأبو بكر ابن الفقيه ابن قاضي إشبيلية، والزَّاهد أبو عِمْرَانَ ابن أبي عِمْرَانَ، ومات بإشبيلية.
250 - عَدِيُّ بْن مسافر بْن إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى، الزَّاهد الشَّاميّ، ثُمَّ الهَكَّاريّ سَكَنًا. [المتوفى: 557 هـ]
وذكره الحافظ عَبْد القادر فسمّاه عَدِيّ بْن صخْر الشَّاميّ، وقال: ساح سِنين كثيرة، وصحِب المشايخ، وجاهد أنواعًا من المجاهدات. ثُمَّ إنّه سكن بعض جبال المَوْصِل فِي موضع ليس به أنيس، ثُمَّ آنسَ اللَّه تلك المواضع به، وعمّرها ببركاته حَتَّى صار لا يخاف أحدٌ بها بعد قطْع السّبيل، وارتدع جماعة من مفسدي الأكراد ببركاته، وعمّره اللَّه حَتَّى انتفع به خلْق، وانتشر ذِكره. وكان معلّمًا للخير ناصحًا، متشرّعًا، شديدًا فِي أمر اللَّه، لا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم. عاش قريبًا من ثمانين سنة ما بَلَغَنا أنّه باع شيئا قَطّ، ولا اشترى، ولا تلبّس بشيءٍ من أمر الدّنيا؛ كانت له غليلة يزرعها بالقدّوم فِي الجبل ويحصدها، ويتقوت منها. وكان يزرع القطن ويكتسي منه. ولا يأكل من مال أحدٍ شيئًا، ولا يدخل منزل أحد. وكان يجيء إلى الموصل فلا يدخلها. وكانت له أوقات لا يُرى فيها محافظة على أوراده. وقد طفتُ معه أيّامًا فِي سواد المَوْصِل، فكان يُصلّي معنا العشاء، ثُمَّ لا نراه إلا الصُّبْح. ورأيته إذا أقبل إلى القرية يتلقّاه أهلها من قبل أنّ يسمعوا كلامه تائبين، رجالهم -[129]- ونساؤهم، إلا من شاء الله منهم. ولقد أتينا معه على دَيْرٍ فِيهِ رُهْبان، فتلقّاه منهم راهبان، فَلَمّا وصلا إلى الشَّيْخ كشفا رأسيهما وقَبّلا رِجْلَيه وقالا: ادْعُ لنا، فما نَحْنُ إلا فِي بركاتك، وأخرجا طبقًا فِيهِ خُبْزٌ وعَسَل فأكل الجماعة. وأوّل مرَّةٍ خرجت إلى زيارته مع طائفة، فَلَمّا أقبلنا أخذ يحادثنا ويسائل الجماعة ويؤانسهم، وقال: رَأَيْت البارحة فِي النّوم كأنّنا في الجنة، ونحن ينزل علينا شيءٌ مثلُ البَرَد. ثُمَّ قال: الرحمة. فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسًا، فقلت: مَن هؤلاء؟ فقيل: أهل السنة والصيت الحنابلة. وسمعت شخصًا يقول له: يا شيخ، لا بأس بمداراة الفاسق؟ فقال: لا يا أخي، دِينٌ مكتومٌ دِينٌ مَيْشُوم. وكان يواصل الأيّام الكثيرة على ما اشتهر عَنْهُ، حَتَّى أنّ بعض النّاس كان يعتقد أنّه لا يأكل شيئًا قَطّ. فَلَمّا بلغه ذلك أخذ شيئًا، وأكله بحضرة النّاس. واشتهر عَنْهُ من الرّياضات، والسّير، والكرامات، والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أُحْدُوثة. ورأيته قد جاء إلى المَوْصِل فِي السَّنَة التي مات فيها، فنزل فِي مشهدٍ خارج المَوْصِل، فخرج إليه السّلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوامّ، حَتَّى آذوه ممّا يقبّلون يده فأُجِلس فِي موضع بينه وبين النّاس شباك، بحيث لا يصل إليه أحد إلا رؤيةً، فكانوا يسلّمون عليه وينصرفون. ثُمَّ رجع إلى زاويته فمات على أحسن حالاته.
وقال القاضي ابن خِلِّكان: أصله من قرية بيت فار من بلاد بَعْلَبَكّ، والبيت الَّذِي وُلِدَ فِيهِ من بيت فار يُزار إلى اليوم. وتوجّه إلى جبل الهكّارية من أعمال المَوْصِل، وانقطع فيه، وبنى له هناك زاويةً، ومال إليه أهل البلاد مَيْلًا لم يُسْمَع بِمِثْلِهِ، وساد ذِكْره فِي الآفاق، وتَبِعَه خلْق، وجاوز اعتقادُهم فِيهِ الحّدَ حَتَّى جعلوه قِبْلَتهم التي يُصلّون إليها، وذخيرتهم فِي الآخرة التي يعولون عليها. صحب الشيخ عقيلًا المنبجي، والشيخ حمادًا الدّبّاس، وغيرهما، وقُبِر بزاويته، وقبرُهُ من كِبار المزارات عندهم. وعاش تسعين سنة. وتُوُفيّ سنة سبْعٍ، وقيل: سنة خمسٍ وخمسين.
قلت: قرأت بخطّ الحافظ الضّياء: سَمِعت الشَّيْخ نصر يقول: قدم الشيخ -[130]- عديّ المَوْصِل سنة ستٍّ وخمسين، وفيها: أخذ من شِعْري، وتُوُفيّ يوم عاشوراء وقت طلوع الشمس سنة سبْعٍ.