كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 12)

قال: وفي قوله: حرمت وأبدت, وجهان:
أحدهما: انهما كنايتان؛ لنه لم يثبت لهما عرف لغوى ولا شرعى, وهذا قول ابن أبي هريرة, وهو الأظهر في "الرافعي", والأصح في "تعليق" القاضي الحسين و"البحر".
والثاني: أنهما صريحان؛ لأن التحريم والتأبيد في غير الأبضاع لا يكون إلا بالوقف فحمل عليه, وهذا ما اختاره في "المرشد".
وقال المتولي: إن ظاهر كلام الشافعي –رضي الله عنه – يدل عليه؛ فإنه قال: إذا قال في لفظ الصدقة: محرمة مؤبدة, انعقد الوقف. فلو لم يكن ذلك صريحًا لما كان مفيدًا للصراحة؛ إذ الكناية إذا اقترنت بها كناية أخرى لا تمنع مقتضاها, وقد ذكر ابن الصباغ ما ذكره المتولي احتمالًا لنفسه, ولا يخفى أن هذا تفريع على أن الألفاظ السابقة صريحة, أما إذا قلنا بأنها كناية أو بعضها فهذا أولى.
قال: وإن قال: تصدقت, لم يصح الوقف؛ لتردد اللفظ بين صدقة التطوع والصدقة الواجبة والصدقة الموقوفة.
قال: إلا أن ينويه أو يقرن به أي: بضم الراء, ويقال: بكسرها ما يدل عليه كقوله: صدقة محرمة, أو: مؤبدة, أو: صدقة لا تباع, وما [أشبه ذلك] أي: مما يدل على إرادة الوقف: كذكر شرط من شروطه, أو حكم من أحكامه؛ لأن به تترجح إرادة الوقف, وحكى الإمام عن بعضهم عدم الاكتفاء بلفظ "التحريم" و"التأبيد" مع لفظ الصدقة, [وأنه لا بد من التقييد بقطع التصرف عن العين كقوله: صدقة لا تباع, أو: لا توهب, أو: لا تورث؛ لأن لفظ "التحريم" و"التأبيد" مع لفظ "الصدقة"] قد يحملان على تأكد الملك في الرقبة على معنى أن الملك فيها مستمر لا ينقضه المتصدق.
[قال الرافعي]: ويشبه ألا يعتبر هذا القائل في قوله: صدقة موقوفة, [مثل]

الصفحة 34