كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 12)

مات من الجرح فلا قود ولا دية ويعزر القاتل لأن المتولي لقتله بعد استتابته الحاكم".
قال في الحاوي: قد مضت هذه المسألة في كتاب الجنايات, أن المرتد يختص الإمام بقتله دون غيره, لأن قتله حق من حقوق الله تعالى التي ينفرد الأئمة بإقامتها كالحدود. فإن قتله غير الإمام لم يضمنه القاتل وعزر. لأن الردة قد أباحت دمه, فصار قتله هدرًا كالحربي إذا قتله مسلم لم يضمنه لإباحة دمه, لكن يعذر قاتل المرتد ولا يعزر قاتل الحربي.
والفرق بينهما: إن قتل المرتد حد يتولاه الإمام فعزر المفتات علي. وقتل الحربي جهاد يستوي الكافة فيه, فلم يعزر المنفرد بقتله.
فأما إذا جرح مرتدًا ثم أسلم المجروح وسرى الجرح إلي نفسه في الإسلام فمات منه, فمذهب الشافعي: أن دمه هدر لا يضمن, لأنها عن جناية في الردة غير مضمونة, فكان ما حدث بعدها غير مضمون, كالقطع السرقة. قال الربيع: وفيها ثول آخر: إنه ضامن لنصف ديته.
لأنه مرتد في حال الجناية, ومسلم في حال السراية, فسقط نصف الدية بردته, ووجب نصفها بإسلامه. وهذا القول من تخريج الربيع من نفسه وليس بمحكي عن الشافعي, ولا تقتضيه أصول مذهبه. فإن كان المرتد هو القاتل فقد مضى في الجنايات.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا يسبى للمرتدين ذرية وإن لحقوا بدار الحرب لأن حرمة الإسلام قد ثبتت لهم ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم".
قال في الحاوي: أما المرتدون إذا كانوا في دار الإسلام ولو يلحقوا بدار الحرب فلا خلاف نعرفه في أنه لا يجوز سبيهم ولا استرقاقهم تغليبًا لما تقدم من حرمة إسلامهم ولا يجوز أن تؤكل ذبائحهم, ولا ينكحوا تغليبًا لحكم شركهم, ولا تقبل جزيتهم, ولا يهادنوا, لأن قبول الجزية وعقد الهدنة موضوعان للإقرار على الكفر, والمرتد لا يقر على كفره.
فأما إذا لحق المرتدون بدار الحرب أو انفردوا بدار صارت لهم كدار أهل الحرب فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في جواز سبيهم واسترقاقهم. فذهب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلي جواز سبيهم واسترقاقهم كأهل الحرب اعتبارًا بحكم الكفر وبه قال شاذ من الفقهاء. وذهب أبو بكر رضي الله عنه إلي تحريم سبيهم واسترقاقهم تغليبًا لحرمة ما تقدم من إسلامهم, كما يحرم سبيهم واسترقاقهم في دار الإسلام. وبه أخذ الشافعي وأكثر الفقهاء. فإن قيل: فقد سبى أبو بكر رضي الله عنه بني حنيفة حين ارتدوا مع مسيلمة قيل: إنما سباهم سبي قهر وإذلال لتضعف بهم قوتهم, ولم يكن سبي غنيمة واسترقاق. وسواء في ذلك الرجال والنساء.

الصفحة 435