كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 12)

وقال أبو حنيفة: يجوز استرقاق المرتدة, إذا لحقت بدار الحرب, ولا يجوز استرقاق المرتد. واستدل على ذلك: بأن علي بن أبي طالب عليه السلام استرق من سبي بني حنيفة أم ابنه محمد وأولادها.
وبناه أبو حنيفة على أصله في أن المرتدة لا تقتل كالحربية فجاز استرقاقها لاستوائهما في حظر القتل عنده وهذا قد تقدم الكلام معه فيه.
ثم من الدليل عليه: أن كل دين منع من استرقاق الرجل منع من استرقاق المرأة كالإسلام طردًا والكفر الأصلي عكسًا. فأما ما حكاه من استرقاق على أم ولده محمد ابن الحنفية ففيه ثلاثة أجوبة:
أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه كان مذهبًا له, وقد خالفه في غيره, فصار خلافًا لا يقع الاحتجاج به.
والثاني: وهو قول الواقدي إنها كانت أمة سوداء سندية لبني حنيفة, وكان خالد بن الوليد قد صالحهم على إمائهم.
والثالث: وهو الأظهر أنها كانت حرة تزوجها علي عليه السلام برضاها, فأولدها بالزوجية دون ملك يمين, وهو الأشبه بأفعاله رضوان الله عليه وسلامه.
فصل:
فأما ذرية المرتد: وهم صغار أولاده من ذكور, وإناث, فهم على حكم الإسلام الجاري عليهم بإسلام آبائهم, ولا يزول عنهم بردة آبائهم, لأن رده آبائهم جناية منهم فاختصوا بها دونهم, لأنه لا يؤاخذ أحد بمعصية غيره.
فإذا قيل: فإذا تعدي إليهم إسلام آبائهم فصاروا مسلمين بإسلامهم فهلا تعدى إليهم رده آبائهم فصاروا مرتدين بردتهم؟
قيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإسلام يعلو ولا يعلى" فجاز أن يرفع الإسلام من حكم الكفر, ولم يجز أن يرفع الكفر من حكم الإسلام, ولذلك إذا كان أحد الأبوين مسلمًا والآخر كافرًا كان الولد مسلمًا ولو يكن كافرًا, تغليبًا للإسلام على الكفر.
فإذا ثبت إسلام أولادهم فلا يجوز سبيهم ولا استرقاقهم, وتجب نفقاتهم في أموال آبائهم المرتدين, لأن النفقة لا تختلف بالإسلام والكفر, فإن ماتوا: غسلوا وصلى عليه ودفنوا في مقابر المسلمين.
فصل:
وإذا لحق المرتد بدار الحرب كانت أحكام الحياة جارية عليه ما لم يمت رجلًا كان أو امرأة.
وقال أبو حنيفة: تجري على المرأة أحكام الحياة, وعلى الرجل أحكام الموت,

الصفحة 436