كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 12)

فصل:
وإذا ارتد عاقل ثم جن لم يستتب في جنونه, لأن المجنون لا يصح من استلام ولا ردة, ولم يقتل حتى يفيق من جنونه. ولو جن بعد وجوب القصاص عليه: قتل قبل إفاقته.
والفرق بينهما حيث منع الجنون من قتل الردة ولم يمنع من قتل القود: أن له إسقاط قتل الردة عن نفس توبته بعد إفاقته فأخر إليها, وليس له إسقاط قتل القود عن نفسه بحال فلم يؤخر إلي إفاقته.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكره قيل إن أقررت بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام يكشف عن غيره".
قال في الحاوي: إذا شهد شاهدان على رجل بالردة لم تسمع شهادتهما عليه مطلقة, حتى يصفا ما سمعاه من قوله الذي يصير به مرتدًا, وسواء كانا من أهل العلم أو لو يكونا من أهله, لاختلاف الناس فيه, كما لا تسمع شهادتهما بالجرح حتى يصفا ما يكون به مجروحًا.
فإذا ثبتت الشهادة سألناه ولم يعرض لقتله قيل سؤاله, لجاوز أن يكون قد تاب منها أو سيتوب فلو قتله قاتل قبل سؤاله عزر ولا قود عليه ولا دية, لثبوت ردته إلا أن يقيم وليه البينة أنه تاب من ردته فيحكم بإسلامخ, ويسأل القاتل, فإن علم بإسلامه, وجب عليه القود. وإن لم يعلم بإسلامه, ففي وجوب القود وجهان:
أحدهما: لا قود عليه, وعليه الدية, لأن تقدم ردته شبهة.
والثاني: عليه القود, لأنه عمد قتل نفس محظورة.
وإذا كان باقيًا بعد الشهادة عليه بالردة وسئل عنها لم يخلو جوابه من اعتراف بها أو إنكار لها.
فإن اعترف بها استتبناه, فإن تاب وإلا قتلناه وإن أنكرها قيل له: إنكارك لها مع قيام البيئة بها تكذيب لشهود عدول, لا ترد شهادتهم بالتكذيب, وليس يلزمك الإقرار بها, ولك المخرج من شهادتهم بإظهار الإسلام. فإذا أزهره: زالت عنه الردة وجرى عليه حكم الإسلام. فقد شهد شهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول من المنافقين بكلمة الكفر, فأحضرهم وسألهم, فمنهم من اعترف وتاب, ومنهم من أنكر وأظهر الإسلام, فكف عن الفريقين, وأجرى على جميعهم حكم الإسلام.
فإذا أظهر المشهود عليه الإسلام على ما سنذكره قال الشافعي: لم يكشف عن

الصفحة 443