كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 12)

غيره, ويحتمل ذلك منه تأويلين:
أحدهما: لم يكشف عما شهد به الشهود من ردته.
والثاني: لم يكشف عن باطن معتقده, لأن ضمائر القلوب لا يؤاخذ بها إلا علام الغيوب.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ارتاب برجل في الردة, فأظهر الإسلام, فقال له عمر: أظنك متعوذ به. فقال يا أمير المؤمنين أما لي في الإسلام معاذ. فقال له عمر: بلى إن لك في الإسلام لمعاذ.
فصل:
فأما توبة المرتد: فتتضمن ما يصير به الكافر مسلمًا؛ لأن الردة قد رفعت عنه حكم الإسلام, فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
قال الشافعي: ويبرأ من كل دين خالف الإسلام, فذكر مع الشهادتين البراءة من كل دين خالف الإسلام, فأما الشهادتان: فواجبتان لا يصح إسلامه إلا بهما. وأما التبري من كل دين خالف الإسلام فقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه شرط في إسلام كل كافر ومرتد كالشهادتين.
والثاني: أنه استحباب في إسلام كل كافر ومرتد كالاعتراف بالبعث والجزاء.
والثالث: وقد أفصح به الشافعي في كتاب الأم, أنه إن كان من عبدة الأوثان ومنكري النوبات كالأميين من العرب كان التبري من كل دين خالف الإسلام مستحبًا.
وإن كان من أهل كتاب يعترفون بالنبوات, أن محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث إلي قومه كان التبري من كل دين خالف الإسلام واجبًا لا يصح إسلامه لا بذكره.
فإذا ثبت ما ذكرنا من شروط الإسلام المعتبرة في توبة المرتد, نظر في ردته, فإن كانت بجحود الإسلام, صحت توبته بما ذكرنا من شروطه.
وإن كانت ردته بجحود عبادة من عباداته كالصلاة والصيام والزكاة والحج مع اعترافه بالشهادتين وصحة الإسلام, اعتبر في صحة توبته بعد شروط الإسلام الاعتراف بما جحده من الصلاة والصيام والزكاة, لأنه قد صار مرتدًا مع اعترافه بالشهادتين فلم تزل عنه الردة بهما حتى يعترف بما صار مرتدًا بجحوده, ولا يجزيه الاقتصار على الاعتراف بما جحده عن إعادة الشهادتين.
لأنه قد جرى عليه حكم الكفر بالردة, فلزمه إعادة الشهادتين ليزول بهما حكم الكفر, ولزمه الاعتراف بما جحده ليزول به حكم الردة.
وهكذا لو صار مرتدًا باستحلال الزنى واستباحة الخمر, كان من صحة توبته الاعتراف بتحريم الزنى وحظر الخمر.
ولكن لو صار مرتدًا بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان الاعتراف بنوبته في الشهادتين مقنًعا في

الصفحة 444