كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 12/ 1)

ويعرضوها على قواعد الوضع والنحو؛ ليعرفوا وجه دلالتها، ويميزوا حقيقتها عن مجازها، ويتبينوا ما فيها من حذف أو تقديم أو تأخير، والنجباء منهم لا يقفون عند هذا الحد، بل يتجاوزونه إلى المناقشة فيما يدخل في موضوع العلم، ومن أجل هذه الطريقة ترى النابغة المكب على العلم في الأزهريين أقدرَ على حل المشكلات، وأسرعَ إلى تطبيق كلام المؤلف على ما يراد منه.
يكتب بعض من يتلقى عادات الغربيين بتقليد، ويزين فيما يكتب قبول الفتيات للتعلم بالأزهر الشريف، يكتبون ولا يخجلون أن يقولوا في الاستدلال على هذا الرأي: "إن إيجاد البنت مع الولد في التعليم يساعده على تلمس الكمال والأدب، ويثير فيه حب النجاح والتفوق".
والحقيقة أن في خصال الشرف ما يسمى: صيانة وعفافاً، واختلاط الفتيان بالفتيات مما لا يبقي للصيانة والعفاف عيناً ولا أثراً، ومن نازع في هذه الحقيقة، فإنما ينكر الشمس وهي طالعة في سماء صاحية، وخير لمن يرائي في الناس، فيزعم أن اختلاط الفتيان بالفتيات لا يأتي بشر، أن يرفع صوته بطرح العفاف من حساب الشرف والفضيلة، حتى إذا أقنع الناس بأن العفاف شيء لا يقيم له علم الأخلاق وزناً، بلغ مأربه، ولم تجد دعوته إلى الجمع بين الفتيان والفتيات في معاهد التعليم عقبة.
* الأزهر أساس النهضة الشرقية:
إذا كان الأزهر قد تجرد للبحث العلمي حيناً من الدهر، وغفل عن الأمراض التي تصيب المسلمين في دينهم ومدنيتهم، فقد تنبه اليوم من غفلته، وادكر ماضيه، وأحسن رفعة مكانته، ووثق بأن في مستطاعه مداواة هذه الأمراض، والنهوض بالشرق إلى ذروة السعادة، فهو سائر في سبيله واضعاً

الصفحة 130