كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 12/ 1)

نوافذ مفتحة، لكان لك عندما يذكر الثلج سلسلة أفكار، حلقاتها: الثلج، والشارع، والجدران، والنوافذ المفتحة. ولو اتفق لك أن كنت شاهدت في زمن آخر نوافذ يشرف منها وجوه بيض، لانتقلت من النوافذ إلى الوجوه البيض، ومن الوجوه البيض إلى الوجوه السود بوسيلة التضاد، ثم إلى البلاد التي تكثر فيها الوجوه السود، فتصل هذه السلسلة في التخيل بالسلسلة الأولى.
فالفكر يتسلسل بحسب المناسبة بين الصورة، وما يقع الانتقال منها إليه، وقد يتحد الشخصان في بعض حلقات التفكير؛ لتوافقهما في أسباب ارتباط هذه الحلقات، ثم يفترقان في غيرها من الحلقات، فتضع مخيلة كل منهما سلسلة غير السلسلة التي تضعها مخيلة الآخر.
ومثال هذا: أن يجري في حضرة المولع بالخمر، والقائمِ على أدوات الطعام، ذكرُ الكأس، فينتقل المولع بالخمر من الكأس إلى الخمر، ويذهب منتقلاً فيما يتبع الخمرَ من لهو وفسوق، أما القائم على أدوات الطعام، فإنه ينتقل من الكأس إلى الملعقة، إلى الشوكة، إلى الطبق، إلى المنديل، حتى يصنع سلسلة من هذه الأدوات وما يتصل بها غيرَ السلسلة التي صنعتها مخيلة المولع بشرب الخمر.
وتسلسل الأفكار يكون على قدر ما تحتويه الحافظة من صور الأشياء، فأفكار البدو لا يطول تسلسلها؛ لعدم كثرة ما تحتويه حافظته من الصور؛ بخلاف الناشئ أو المتردد على مدينة امتلأت بمظاهر العمران والزينة؛ فإنه يطول تسلسل أفكاره، وتجد مخيلته مسارح بعيدة المدى.
فالناس يتفاضلون في التخيل على قدر تفاوتهم فيما وقع إلى قواهم الحافظة من الصور، ويتفاضلون في التخيل أيضاً من جهة قوة الانتباه لما بين

الصفحة 160