كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 12/ 1)

الأشياء من المناسبات.
فالناشئ في مدينة كبيرة يفوق في التخيل الناشئ في بداوة، أو ما يشبه البداوة، وما ذاك إلا لكثرة ما يجده في حافظته من الصور المساعدة له على تأليف المعاني الجيدة.
وإذا وجدت رجلين يعيشان في بيئة واحدة منذ النشأة، ورأيت في أحدهما براعة في نحو الشعر والصناعة قد فاق بها صاحبه، فإن وجه فضله عليه من جهة قوة الانتباه لما بين صور الأشياء من المناسبات.
وقد يكون بين الشيئين ما يقتضي اقترانهما في الذهن، ولكن النفس قد تحس أحدهما، ويشغلها عن الانتقال إلى الأمر الآخر ما في ذلك الأمر الذي أحسته من معنى يجلب اهتماماً شديداً من حزن أو سرور.
وانظر إلى الشاعر حين أراد التنبيه على أن ذكر حبيبه لا يفارقه قط، كيف أخبر أنه يذكره في أشد حال من شأن الإِنسان أن يذهل فيه عن كل غائب، فقال:
ولقد ذكرتُك والرماح نواهِلٌ ... مني وسيف الهند يقطر من دمي
ثم إن المخيلة قد تنتقل من صورة إلى أخرى من غير قصد إلى غرض، ومن غير أن تكون تحت رعاية العقل، فتسمى: مخيلة آلية، وقد يكون انتقالها صادراً عن إرادة، ومحاطاً بانتباه، وهذا قد يكون الغرض منه الوصول إلى إدراك حقيقة، فتسمى: مخيلة علمية، وقد يكون الغرض منه الوصول إلى تأليف صور من المعاني جديدة، فتسمى: مخيلة إبداعية.
فالمخيلة الآلية: هي التي تسير دون قصد إلى جهة خاصة أو غرض معين؛ كأن يحصل للانسان استغراق في التخيل، ويذهب متنقلاً من معنى

الصفحة 161