كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 12/ 2)

مظنة السؤال عما لا يفيد، وبهذا تقيد النصوص المطلقة الواردة في فضله، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له طريقاً إلى الجنة".
وصرَّح بعض الكاتبين بأنه شريف لذاته، واستند في ذلك إلى أنه لذيذ في نفسه، إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم، ومحبة الاستيلاء قد جُبلت عليها النفوس فيطلب لذاته، وهاته شبهة، والذي ينفض قتامها أن مجرد الاشتمال على اللذة لا يقتضي شرفاً من قبل أن تقام عليه شهادة من الشارع، وكأين من لذة تقع من الإنسان موقع الطيبات، والأحكام الشرعية تريه أنها من أفرد الخبائث، كالزنا وشرب الخمر وسائر وجوه الفسوق والمعاصي، ولا ينتقض ما عقدناه بأنَّا نجد من العلوم ما هو فضيلة مثاب عليها، كالعلم ببعض الأحكام التي لم يحدث في الخارج ما تنطبق عليه، لأنه مظنة الانتفاع عندما يوجد محله.
ويتفرع من هذا الأصل أن الخوض في المسائل التي لا يستنتج منها فائدة أو يستعان بها على ذلك الاستنتاج، ضرب من اللاغية وتعطيل للوقت النفيس من حلية الأعمال النافعة، ويلتحق بها في السقوط عن درجة الاعتبار الخلافات التي لا تنشق عن ثمرة، كاختلاف الأصوليين في مسألة هل كان عليه الصلاة والسلام قبل النبوءة متعبداً بشرع أم لا؟ ومسألة الإباحة هل هي تكليف أم لا؟ ومسألة أمر المعدوم، وكاختلاف أهل العربية في مسألة اللهم، ومسألة أشياء، ومسألة اشتقاق الفعل من المصدر وغير ذلك.
ويجتنى من هذا الفرع أن هاته المجلة لا تنثر من كنانتها إلا ما يشمله نظر الشارع بعنايته.

الصفحة 10