كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 12/ 2)

ما استدبر على غيره، وهو أن الأخلاق ليست كلها طبيعية، ولو كانت كذلك لرُفضت السياسات، وتُرك الناس همجاً، ولتُرك الأحداث والصبيان إلى ما تُلقيهم إليه قذفات الصدفة، ولعلنا نزيد هذا المبحث بسطة فيما يستقبل، والنظر إلى هذا المطلب من خلال الشريعة أقرب للإصابة لأنها مما أتقنت صنعه، وأحكمت بيانه.
- الاستطلاع الخامس:
القصد من التشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية على وجه يستقيم به نظامها، وهذا يستدعي إرشاد المكلفين إلى حكم كل ما عسى أن يُعرض لهم من الوقائع، ومن ثم أخذت الشريعة بالاحتياط الكافي لتعميم الأحكام، فنصت على بعض الجزئيات؛ ليقاس عليها ما يشاركها في علل أحكامها، وأفصحت عن كليات يدخل تحت ظلها سائر ما لم يُفصَّل حكمه تفصيلاً، ولوَّحت بذلك إلى أنظار المجتهدين، فبذلوا أقصى ما عندهم من الاستطاعة في استخراج الفروع من أدلتها، وأفردوها بالتدوين، وعلقوا عليها اسم الفقه؛ ليسهل تناولها على من لم يصل إلى درجة الاجتهاد، أما من استكمل شروطه المقررة في الأصول، فلا يسوغ له المقام في حوزة التقليد، ودعوى أن باب الاجتهاد مغلق لا تُسمع إلا بدليل ينسخ الأدلة التي انفتح بها أولاً.
- الاستطلاع السادس:
بعد أن قضى العلماء حق الاستدلال عن الأحكام الفرعية بأدلتها، الكتاب، والسنّة، والإجماع، والقياس، استأنفوا الالتفات إلى كيفية ذلك الاستدلال، فانكشفت قضايا كلية تتعلق بكيفية الاستدلال، فدوّنوها وأضافوا إليه من اللواحق وسمّوا العلم المتعلق بها أصول الفقه، وأول من

الصفحة 17