كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 12/ 2)

أما بعد:
فقد اطلعت -أعزك الله- على فاتحة سعادتكم العظمى، وذخركم الأسمى، فوجدتها روضة حكم قطوفها بالفضائل دانية، ودرة طلاب بجواهر المحاسن سامية، تحلت بها لشقيقتها الأخرى نحور، وتجلت لها منها حور، كأنهن الياقوت والمرجان، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، فأزرَتْ محاسنها بالبدر اللياح، وسرت فضائلها سرى الرياح، وتشوقت لعلاها الأقطار؛ ووكفت تحكي نداها الأمطار، ونالت بها الأمة الأرب، وأتنها تنسل من كل حدب:
عروس جلاها مطلع الفكر فانثنت ... إليها النجوم الزاهرات تطلع
زففتُ بها بكراً تَضوَّع طيبها ... وما طيبها إلا الثناء المضّوع
لها من طراز الحسن وشي مهلل ... ومن صنعة الإحسان تاج مرصع
فلله من سعادة امتزجت بعقولنا أنوار محاسنها امتزاج الماء بالراح، وتعلقت بها تعلق الأرواح بالأشباح، حتى أهدت معانيه لمعانيها زهو الشقيق على الأقداح، وسمت مبانيها على يد بانيها سمو الصبا في الصباح، ولعمري ما هو في الفضل بدخيل، ولا يعزى إليه المجد بقيل، فلو تسابق مع فرسان البلاغة لقال: جاء الكل بعدي، أو سُئل عن الفصل لقال: الماء ماء أبي وجدي، وبالجملة فليس القول في كمالات مشروعكم ذا حصر، إذ لو مددتُ باع مدحي له لوجدته ذا قصر، ولو تكلفتُ أن أصف جميله لخرجت عن الطاقة، واعترفت بأني ذو فاقة، وكيف أعدّ من المحاسن ما لا يُعدُّ؟ أو كيف أحصر من الفضائل ما لا يقف عند حد؟ وها أنا قد عجزت فأوجزت، وقصَّرت فاقتصرت.

الصفحة 36