كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 12)

قال إسحاق: ما أعطاه من شيء فهو حسن" (¬١).
ونقل هذه العبارة ابن المنذر. فهذا النص في الحقيقة لا يجعل الباحث يجزم بأن مذهب إسحاق جواز أخذ المعاوضة على الضمان؛ لأن قوله: ما أعطاه من شيء فهو حسن يدخل -كما قلنا- في باب المكافأة غير المشروطة، وليس على سبيل المعاوضة. وإذا كانت المكافأة على القرض من غير شرط ولا عرف مقبولة، فكيف بالضمان، فتأمل.
ويؤيد ذلك أن ابن المنذر - رحمه الله - قال في المسألة: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحمالة بجعل يأخذه الحميل لا تحل، ولا تجوز، ثم نقل عبارة الإمام إسحاق، فلو كان رأي الإمام إسحاق خارقًا للإجماع ما صح من ابن المنذر أن يحكي الإجماع في الوقت الذي ينقل فيه الخلاف عن إسحاق والثوري، فصح أن رأي إسحاق محمول على رأي آخر لا يخرق الإجماع، وهو المكافأة الضمان.
وأما نقل الماوردي لمذهب إسحاق فلم ينقل لنا عبارة الإمام إسحاق، وإنما نقل فهمه لعبارة إسحاق، جاء في الحاوي: "فلو أمره بالضمان عنه بجعل جعله له لم يجز، وكان الجعل باطلاً، والضمان إن كاْن بشرط الجعل فاسدًا، بخلاف ما قاله إسحاق بن راهوية؛ لأن الجعل إنما يستحق في مقابلة عمل، وليس الضمان عملًا فلا يستحق به جعلاً" (¬٢).
وهذه العبارة ليست صريحة؛ لأن كلمة بخلاف ما قاله إسحاق رجع إلى المسألة المتأخرة، فالماوردي قد ذكر مسألتين:
---------------
(¬١) مسائل أحمد وإسحاق رواية إسحاق بن منصور (٢٢٩٩).
(¬٢) الحاوي الكبير للماوردي (٦/ ٤٤٣).

الصفحة 494