كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 12)

وقُرِئَ: (وحُزْنًا) وهُما لُغَتان: (كالعُدم) و (العَدم) {كَانُوا خَاطِئِينَ} في كُلِّ شيء، فليس خَطَؤُهم في تربيةِ عدُوِّهم بِبِدْعٍ منهم. أو كانوا مُذنِبِين مُجرِمين، فعاقَبَهُم الله بأن رَبَّى عدُوَّهم ومن هو سببُ هلاكِهم على أيدِيهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيل: {فَاَلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، فيكونُ استعارةً مُصرّحةً؛ لأنّ المذكورَ لفظُ المستعارِ منه، كاستعارةِ لفظِ الأسدِ للمِقْدام، وتبعيّةً؛ لأنّ الحروفَ مِنَ الاستعارةِ بمَعْزِل؛ لأنّها لمْ تقعْ موصوفات؛ فالاستعارةُ تقعُ في معانيها ثُمّ تسري مِنَ المعاني إليها، وتهكُّميةً؛ لأنّ لا يفعلُ هذا الفعل.
قولُه: (وقُرِئَ: ((وحُزْنًا)))، حمزةُ والكسائي: ((حُزْنًا)) بضمِّ الواوِ وإسكانِ الزاي، والباقون: بفتحِهما.
قولُه: ({كَانُوا خَاطِئِينَ} في كلِّ شيء)، يريدُ أنّ قولَه: {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} الآية تذييلٌ واعتراض؛ بدليلٍ قولهِ: ((فليسَ خطؤهم بِبِدْعٍ منهم)).
قولُه: (أو كانوا مُذنِبين)، فعلى الأوّل: {خَاطِئِينَ}؛ مِنَ الخطأِ في الرأي، وعلى هذا؛ مِنْ: خَطِئ: أذْنَب. قالَ في ((الأساس)): خاطئينَ: مِن: أخطأَ في المسألةِ أو في الرأي، وخَطِئَ خطأَ عظيماً؛ إذا تعمّدَ الذّنْب. فالجملةُ استئنافٌ لبيانِ الموجب؛ بدليلِ قولِه: ((ومَنْ هُوَ سَبَبُ هلاكِهم))؛ فعلى هذا معنى اللامِ على ظاهرِه، والتقدير: نريدُ أنْ نَمُنّ على بني إسرائيلَ بأنْ قدّرْنا ما قدَّرْنا ودبَّرْنا ما دبّرْنا؛ ليكونَ موسى عدوًّا لهم وحزنًا؛ لأنّهم كانوا خَطّائِين مُجرمِين، ويؤيِّدُه قولُه: ((فعاقبَهم الله بأنْ رَبَّى عدوَّهم ومَنْ هُوَ سَبَبُ هلاكِهم)).
وهذا هوَ الوَجْهُ كما سيجيءُ تقريرُه.

الصفحة 13