كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 12)
السنة الخامسة والأربعون بعد المئة
فيها خرج إبراهيم بالبصرة ومحمَّد بالمدينة على أبي جعفر فقُتلا، وسنذكرهما إن شاء الله تعالى.
وتتابعت الحوادث على أبي جعفر من كل جانب، والخوارج (¬1) والترك خرجوا إلى باب الأبواب فقتلوا من المسلمين خلقًا كثيرًا، فكان أبو جعفر يترنَّم: [من الوافر]
تَفرَّقت الظِّباء على خِراشٍ ... فما يدري خِراشٌ ما يصيدُ
وفيها أُسِّست بغداد، قال الجوهري: بغداد، وبَغدان، ومَغذان، تذكر وتؤنث (¬2).
قال أبو حاتم: سألتُ الأصمعيّ عن بغداد وبغداذ ومَغدان وبغدين هل يقال ذلك؟ فكره أن يتكلم بشيء منه وقال: هذا كلُّه رديء، أخشى أن يكون شركًا، وأبغضه إليَّ بغداذ بذال معجمة.
وإنما كرهوا ذلك؛ لأنه كان بالمشرق صنم يقال له: بغ، وموضع بغداد يقال له: داذ قرية، فأقطع كسرى خصيًّا له موضع بغداد، فقال الخصي: بغ داذ أي: عطية الصنم، وداذ عطية.
وقيل: كان في موضعها دعي فيه صنم اسمه بغ، وسادنه يقال له: داذ.
وقال الفراء: كل ما جاء من اللغات في بغداد يُراد به: عَطيَّة الصنم، فكُره الجميع لهذا.
وقال ابن الأنباري: بغ: بستان، وداذ اسم رجل.
وقال ابن الأعرابي: دخلت إلى موضع بغداد -وهو أَجَمة ليس فيه إلَّا كوخ- وفيه رجل من الأولين ينظر مَبْقَلة له، فلما جاء أبو جعفر ووضع الأساس قال: ما اسم هذا المكان؟ قالوا: لا ندري، فقيل له: ها هنا رجل من الأولين، فبعث إليه فقال: ما اسمك؟ قال داذ، قال: وما يقال لهذا الموضع؟ قال: بغ، يعني: المبقلة، فقال أبو
¬__________
(¬1) كذا في النسختين (خ) و (ب)، وفي الطبري 7/ 649: وفيها خرجت الترك والخزر.
(¬2) الصحاح (بغدذ 2/ 561).