كتاب اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 12)

ابْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ -قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فِي جَيْشٍ- فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهاجِرِينَ. فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: "دَعُوها فَإِنَّها مُنْتِنة". فَسَمعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوها، أَمَا وَاللهِ لَئِنْ رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! دَعنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ لَا يتحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصْحَابَهُ" وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أكثَرَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهاجِرِينَ كَثُرُوا بعْدُ.
قَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عمرٍو، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرًا: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
(فكسع) بمهملتين: هو ضَرْبُ دبر الإنْسان بصَدر قدَمكَ، ونحوه.
(يا للأنصار) اللام للاستِغاثة، أي: أَعينُوني، وكذا (يا لَلْمُهاجرين)، وهذه دَعوى الجاهليَّة.
(دعوها)؛ أي: اترُكُوا هذه المَقالة، أي: هذه الدَّعوَى.
(مُنْتِنة) بضم الميم، وكسر المثنَّاة، وتُكسر الميم إتْباعًا لكسر المثنَّاة، أي: قَبيحةٌ سيِّئةُ العاقِبَة.

الصفحة 500