كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 12)

فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِصَوْتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهَا زَفِيرٌ وَآخِرُهَا شهيق. خرجه الترمذي مرفوعا بمعناه من حيث أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: صَوْتُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ كَصَوْتِ الْحِمَارِ، أَوَّلُهُ زَفِيرٌ وَآخِرُهُ شَهِيقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَصِيرُ لَهُمْ نُبَاحٌ كَنُبَاحِ الْكِلَابِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: بَلَغَنِي أَوْ ذُكِرَ لِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ ... الْخَبَرَ بِطُولِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِكَمَالِهِ فِي التَّذْكِرَةِ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ مَكَثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَادَاهُمْ" أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ١٠" قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ قَالُوا الْآنَ يَرْحَمُنَا رَبُّنَا، فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ." رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ١٠" أَيِ الْكِتَابُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْنَا" وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ ١٠ - ١٠٦" فقال عند ذلك:" اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ ١٠" فَانْقَطَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالرَّجَاءُ، وَأَقْبَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَنْبَحُ بَعْضُهُمْ في وجوه بعض، وأطبقت عليهم.

[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١٠٩ الى ١١١]
إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا) ١٠ الْآيَةَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بِلَالٌ وَخَبَّابٌ وَصُهَيْبٌ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَانَ أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ يَهْزَءُونَ بِهِمْ. (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) ١١٠ بِالضَّمِّ قراءة نافع وحمزة والكسائي ها هنا وَفِي" ص «١» ". وَكَسَرَ الْبَاقُونَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَفَرَّقَ أَبُو عَمْرٍو بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ الْمَكْسُورَةَ مِنْ جِهَةِ التَّهَزُّؤِ، وَالْمَضْمُومَةَ مِنْ جِهَةِ السُّخْرَةِ، وَلَا يَعْرِفُ هَذَا التَّفْرِيقَ الْخَلِيلُ وَلَا سِيبَوَيْهِ وَلَا الْكِسَائِيُّ وَلَا الْفَرَّاءُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا يُقَالُ: عِصِيٌّ وَعُصِيٌّ، وَلُجِّيٌّ وَلِجِّيٌّ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ: الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَأَنَّ الْكَسْرَ بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ
---------------
(١). راجع ج ١٥ ص ٢٢٤ فما بعد. [ ..... ]

الصفحة 154