كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 12)

الرَّابِعَةُ- قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: مَنْ كَانَ معروفا بالزنى أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْفُسُوقِ مُعْلِنًا بِهِ فَتَزَوَّجَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِ سِتْرٍ وَغَرَّهُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَلَهُمُ الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ، وَذَلِكَ كَعَيْبٍ مِنَ الْعُيُوبِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ). قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَجْلُودَ لِاشْتِهَارِهِ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْفِسْقِ فَلَا. الْخَامِسَةُ- قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ: مَنْ زَنَى فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِذَا زَنَتِ الزَّوْجَةُ فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ هَؤُلَاءِ: لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ بِطَلَاقِهَا إِذَا زَنَتْ، وَلَوْ أَمْسَكَهَا أَثِمَ، وَلَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِالزَّانِيَةِ وَلَا مِنَ الزَّانِي، بَلْ لَوْ ظَهَرَتِ التَّوْبَةُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ النِّكَاحُ. السَّادِسَةُ- (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ نِكَاحُ أُولَئِكَ الْبَغَايَا، فَيَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّ نِكَاحَ أُولَئِكَ الْبَغَايَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْ أَشْهَرِهِنَّ عَنَاقُ «١». السَّابِعَةُ- حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الزنى فِي كِتَابِهِ، فَحَيْثُمَا زَنَى الرَّجُلُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ إِذَا كَانَ في دار الحارث بِأَمَانٍ وَزَنَى هُنَالِكَ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يُحَدَّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: دَارُ الْحَرْبِ وَدَارُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ، وَمَنْ زَنَى فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ:" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ" [النور: ٢].

[سورة النور (٢٤): الآيات ٤ الى ٥]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
---------------
(١). في ك: وهذا على أن الآية منسوخة. ولم يظهر له وجه محققه. [ ..... ]

الصفحة 171