كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 12)

من يعير الصديق رأيا ... إذا ما سل في الخطوب حُسَامًا؟
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
فيها قدم الملك شرف الدولة إلى بغداد فخرج الخليفة في الطيارة لِتَلَقِّيهِ، وَصَحِبَتْهُ الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْوُزَرَاءُ وَالرُّؤَسَاءُ، فلما واجهه شرف الدولة قبل الأرض بين يديه مَرَّاتٍ وَالْجَيْشُ وَاقِفٌ بِرُمَّتِهِ، وَالْعَامَّةُ فِي الْجَانِبَيْنِ. وَفِيهَا وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودِ بن سبكتكين إلى الخليفة يذكر أَنَّهُ دَخَلَ بِلَادَ الْهِنْدِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ فَتَحَ بِلَادًا، وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ صَالَحَهُ بَعْضُ ملوكهم وحمل إليه هدايا سنية، منها فيول كثيرة، وَمِنْهَا طَائِرٌ عَلَى هَيْئَةِ الْقُمْرِيِّ، إِذَا وُضِعَ عِنْدَ الْخِوَانِ وَفِيهِ سُمٌّ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَجَرَى منهما ماء، ومنها حجر يحك ويؤخذ منه ما تحصل منه فيطلي بها الجراحات ذات الأفواه الواسعة فيلحمها، وغير ذلك. وحج الناس من أهل العراق وَلَكِنْ رَجَعُوا عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذلك.
وفيها توفى مِنَ الْأَعْيَانِ
الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلَانَ
أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ، وَزِيرُ سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى سُورَ الْحَائِرِ عِنْدَ مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ، قتل في شعبان منها
الحسن بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
أَبُو عَبْدِ الله الكشغلي الطَّبَرِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ، وَكَانَ فَهْمًا فَاضِلًا صَالِحًا زَاهِدًا، وَهُوَ الَّذِي دَرَّسَ بَعْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ فِي مَسْجِدِهِ، مَسْجِدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. فِي قَطِيعَةِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ الطَّلَبَةُ عِنْدَهُ مُكَرَّمِينَ، اشْتَكَى بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ حَاجَةً وَأَنَّهُ قَدْ تَأَخَرَّتْ عَنْهُ نَفَقَتُهُ الَّتِي تَرِدُ إِلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ، فأخذه بيده وذهب إلى بعض التجار فَاسْتَقْرَضَ لَهُ مِنْهُ خَمْسِينَ دِينَارًا. فَقَالَ التَّاجِرُ: حتى تأكل شيئا، فمد السماط فأكلوا وقال: يَا جَارِيَةُ هَاتِي الْمَالَ، فَأَحْضَرَتْ شَيْئًا مِنَ المال فوزن منها خَمْسِينَ دِينَارًا وَدَفَعَهَا إِلَى الشَّيْخِ، فَلَمَّا قَامَا إذا بوجه ذلك الطالب قد تغير، فقال له الكشغلي: مالك؟ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي قَدْ سَكَنَ قَلْبِي حُبُّ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى التَّاجِرِ، فَقَالَ له:
قد وقعنا في فتنة أخرى، فقال: وما هي؟ فقال: إن هذا الفقيه قد هوى الجارية فأمر التاجر الجارية أن تخرج فتسلمها الفقيه، وقال ربما أن يَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِنْهُ مِثْلُ الَّذِي قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مِنْهَا، فَلَمَّا كان عن قريب قدم على ذلك الطالب نفقته من أبيه ستمائة دينار، فوفى ذلك التَّاجِرَ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الجارية والقرض، وذلك بسفارة الشيخ. توفى في ربيع الآخر منها ودفن بباب حَرْبٍ.
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَهْضَمٍ
أبو الحسن الجهضمي الصُّوفِيُّ الْمَكِّيُّ، صَاحِبُ بَهْجَةِ الْأَسْرَارِ، كَانَ شَيْخَ الصوفية بمكة، وبها توفى قال ابن الحوزى: وقد ذكر أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا، وَيُقَالُ إِنَّهُ الَّذِي وَضَعَ حَدِيثَ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ.

الصفحة 16