كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

ذكر عبدُ الرَّزّاقِ (¬١)، عن مَعمرٍ والثَّورِي، عن الأعمشِ، عن إبراهيم، عن علقمةَ: أنَّ رجُلًا طلَّقَ امرأتهُ ثلاثًا، فاصبتْ أن تجلِسَ في بيتِها، فأتَى ابن مَسعُودٍ فقال: هي تُرِيدُ أن تخرُجَ إلى أهْلِها. فقال: احْبِسْها ولا تَدَعَها. فقال: إنَّها تأبَى عليَّ. قال: فقيِّدها. قال: إنَّ لها إخْوَةً غَلِيظةً رِقابُهِم. قال: فاستأدِ (¬٢) عليهِمُ الأمِيرَ.
وفي هذا الحديثِ وُجُوبُ اسْتِتارِ المرأةِ، إذا كانت ممَّن للعَينِ فيها حَظٌّ عن عُيُونِ الرِّجالِ، وفي ذلك دليلٌ على تحرِيم النَّظرِ إليهنَّ.
وقد رُوِي أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَنظُر إلى فاطِمةَ هذه إذ جاءَتهُ، في هذه القِصَّةِ.
حدَّثنا أحمدُ بن محمدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن الفضلِ، قال: حدَّثنا محمدُ بن جرِيرٍ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بن سَعِيدٍ الجَوْهرِيُّ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بن عُيَينةَ، عن مُجالدٍ، عن الشَّعبِيِّ، عن فاطِمةَ ابنةِ قَيْسٍ قالت: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فاسْتَترَ مِنِّي. وأشار سفيان (¬٣) بثوبه على وجهِهِ (¬٤).
وكذلك في حديثِ قَيْلَةَ ابنةِ مَخْرَمةَ، الحديثِ الطَّوِيلِ في قُدُومِها على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: فأومَأ بيدِهِ خلفهُ، إذ قيل لهُ: أُرْعِدَت المِسكِينةُ، فقالَ ولم ينظُر إليَّ: "يا مِسْكِينةُ، عليكِ السَّكِينةُ" (¬٥).
---------------
(¬١) في المصنَّف (١٢٠٤٠).
(¬٢) في ي ١، د ٢، ت: "استأذن". و استأديته عليه: استعديته. انظر: لسان العرب ١٤/ ٢٥.
(¬٣) في م: "عني".
(¬٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٢٠٢٦) عن سفيان، به.
(¬٥) أخرجه ابن سعد ١/ ٣١٧ - ٣٢٠، والطبراني في الكبير ٢٥/ ٧ - ١١ (١)، والمزي في تهذيب الكمال ٣٥/ ٢٧٥.

الصفحة 110