كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

وفيه: أنَّ للمُسْتشارِ أن يُشِيرَ بغيرِ منِ استُشِيرَ فيه؛ لأنَّهُ أشارَ - صلى الله عليه وسلم - بأُسامَةَ (¬١)، ولم تذكُر لهُ إلّا أبا جَهْم ومُعاويةَ (¬٢).
وفي قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا مُعاويةُ فصُعلُوك لا مالَ لهٌ، وأمّا أبو جَهْم فلا يضعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ". دليلٌ على جَوازِ الإغياءِ (¬٣) في الصِّفةِ، وأنَّ المُغيِّي لا يَلْحقُهُ كذِبٌ، إذا لم يَقْصِد قصدَ الكذِبِ، وإنَّما قصدَ الإبلاع في الوَصْفِ.
ألا تَرَى أنَّ مُعاويةَ قد ملكَ ثوبهُ، وغير ذلك، وهُو مالٌ، وفي غيرِ حديثِ مالكٍ: "لا يَمْلِكُ شيئًا" (¬٤).
وكذلك قولُهُ: "لا يَضَعُ عَصاهُ عن عاتِقِهِ". ومعلُومٌ أَنَّهُ كان يُصلِّي، وينامُ، ويأكلُ، ويشربُ، وَيشْتغِلُ بأشياءَ كثِير غيرِ ضَرْبِ النِّساءِ (¬٥)، ولكِنَّهُ لمّا كان يُكِثرُ ضربَ النِّساءِ، نسَبَهُ إلى ذلك، على ما قالتِ الحُكماءُ: من أكثرَ من شيءٍ، عُرف به، ونُسِب إليه. ولم يُرِد بذِكرِ العَصا هاهُنا، العصا التي يُضرَبُ بها، وإنَّما أرادَ الأدب (¬٦) باللِّسانِ واليَدِ وبما يحسُنُ الأدبُ بمِثلِهِ، يصنعُ في أهلِهِ كما يَصْنعُ الوالي في رَعِيَّتِهِ.
وقد رُوِي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال لرجُلٍ أوْصاهُ: "ولا تَرْفَعْ عصاكَ عن أهلِكَ، وأخِفهُم في الله" (¬٧). رُوِي هذا من حديثِ المِصرِيِّين (¬٨)، عن عُبادةَ بن
---------------
(¬١) في ي ١، م: "إلى أسامة".
(¬٢) زاد هنا في ي ١: "وهذا الحديث أصل يجب أن يعتمد عليه، وهو أصح إسنادًا من حديث الغيبة".
(¬٣) الإغياء: الاستقصاء، والغاية: مدى كل شيء. انظر: العين ٨/ ٤٥٧.
(¬٤) سلف تخريجه في هذا الباب.
(¬٥) من هنا إلى كلمة: "النساء" الآتية سقط من د ٢، قفز نظر.
(¬٦) في م: "الآداب".
(¬٧) أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، ص ٤٥٤، والطبري في تهذيب الآثار (٦٨٦)، والشاشي في مسنده (١٣٠٩)، والضياء في المختارة ٨/ ٢٨٧ - ٢٨٨ (٣٥١) من حديث عبادة. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (١٨) من حديث أبي الدرداء.
(¬٨) في ج ٢: "البصريّين"، ولا يصح، فحديث عبادة سنده مصري، وحديث ابن عباس سنده كوفي.

الصفحة 121